فَتْحُ مِصْر بين تخريف المُنَصِّرِين وتحقيق المؤرخين

بقلم أبي عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

76901334

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فقد رأيت على أحد المواقع الصليبية كلاما لأحد الصليبيين الحاقدين ينفث فيه سمومه وحقده على الإسلام العظيم وعلى أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم محاولا تضليل بن جلدته عن الحقيقة !

زعم هذا الصليبي أن الإسلام العظيم دخل مصر قهرا وجبرا على يدي عمرو بن العاص وأن عمرو بن العاص أعمل القتل والذبح في أهل مصر عملا بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم

وراح هذا الكذاب الأشر ينشر الأكاذيب تلو الأكاذيب والروايات التي لا تساوي في ميزان النقد العلمي شيئا .

وسأعرض لحضراتكم شيئا من أكاذيبه ونرد عليها ردا علميا منهجيا يتبع الأسلوب العلمي في البحث والتدقيق والتحقيق لتحري الحقيقة .

في البداية زعم الكذاب أن فتح مصر كان لمجرد أن بها خيرات عظيمة أغرى عمرو بن العاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بها لبداية الفتح .

والحق أن فتح مصر كان أولا تحقيقا لموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم {إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يُسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما} .

أولا: فَتْحُ الصحابة لمصر كان عملاً وتطبيقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .

ثانيا: أن فتح مصر فيه دليل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي تنبأ بفتحها وقد حدث كما قال حرفياً .

ثالثا: فتح مصر وجميع بلاد العالم كان لهداية الناس إلى معرفة ربهم وتوحيده وعبادته حق العبادة .

رابعا: لو سَلَّمْنَا لهذا الصليبي أن عمرو بن العاص تجاوز مثلا مع بعض المصريين فسنحمّل هذا التجاوز لعمرو بن العاص رضي الله عنه وليس للنبي صلى الله عليه وسلم لأمره عليه الصلاة والسلام بالإحسان لأهل مصر عند فتحها .

والحق أنه لم يكن هناك تجاوز من عمرو بن العاص رضي الله عنه

· يقول المؤرخ المسيحي اسكندر صيفي في كتابه المنارة التاريخية في مصر الوثنية والمسيحية ص206: {وكانت شروط عمرو مع المقوقس زعيم القبط على أن تكون للقبط الحرية المطلقة بدينهم ، وعليهم جزية ذهبين عن كل رجل}.

· ويقول المؤرخ القمص أنطونيوس الأنطوني في كتابه وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها ص66: {وبالجملة فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحةً لم يروها منذ زمان}.

· ويقول المؤرخ الدكتور عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسيحية الشرقية ص104: {أما العرب فقد أتوا لتحرير القبط من هذه الأغلال البيزنطية إذا كان موقفُهم من أهل الكتاب أو أهل الذمة موقفا كريما وسمحا تأكدت فحواه من واقع العهد العمري الذي كفل للأقباط حريتَهم الدينية بشكل لم ينعموا به أبدا تحت النَيْرِ البيزنطي}.

خامسا: كل ما اعتمد عليه هذا الصليبي الكذاب لا يعدو كونه روايات ليس لها أسانيد أو روايات تعتمد على أسانيد واهية ضعيفة لا تصمد أمام النقد العلمي ساعة . وإما روايات صحيحة قام الصليبي بتحريفها عن معناها أو لم يذكر سببها للناس.

سادسا: المؤرخون الغربيون والشرقيون المسيحيون يعترفون أن فتح مصر كان صُلحا وحتى من يقول منهم أن الحرب وقعت بين المسلمين وبين أهل مصر يقول أن أهل مصر هنا هم الروم الكاثوليك وليس أقباط مصر الذين ذاقوا على يد الروم أشد العذاب.

· يقول المؤرخ د/عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسحية الشرقية ص104: {على أنه يمكن القول بأن الأقباط كانوا غيرَ متعاطفين مع البيزنطيين (الملكانيين) مذهبا ، والذين أذاقوهم صنوف العذاب}.

· ويقول القمص منسى القمص في كتابه تاريخ الكنيسة القبطية ص366: {وبالجملة فلم يكد ينتهي القرن السادس حتى بلغت العداوة بين المصريين والرومانيين أشدها خصوصا عندما أنقذ القيصر أمرًا إلى نائبه بمصر بطرد جميع الأقباط من خدمة الحكومة وعدم قبول أحد منهم في مصالحها قصدا منه في إذلالهم. فكان ذلك من أقوى البواعث على قنوط الأقباط واعتزالهم الروم بالكلية وقطع كل العلاقات معهم}.

بل يعترف بعض المؤرخين أن أقباط مصر الأرثوذكس وقفوا بجانب عمرو بن العاص في فتحه مصر.

سابعا: المؤرخون المسيحيون الذين تكلموا في هذه الواقعة يذكرون أن عدد المسلمين الفاتحين لا يتجاوز أربعة آلاف رجلا.

· يقول المؤرخ الدكتور عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسحية الشرقية ص102: {على أن عمرو بن العاص أثر ألا يفتح الرسالة حتى عبر هو ورجاله الأربعة آلاف الحدود المصرية ووصل إلى مدينة العريش}.

· ويقول المؤرخ ألفرد ج بتلر في كتابه فتح العرب لمصر ص227: {فلما طلب منه عمرو أن يسير إلى مصر بجيش من 3500 أو 4000 رجل وعده أمير المؤمنين(عمر بن الخطاب) أن يفكر في الأمر}.

ولقد اعترف الصليبي بهذا الرقم في طيات كلامه !

في حين أن عدد أقباط مصر وقتها كان بين 8 مليون و25 مليون نسمة

فكيف تغلب أربعة آلاف رجلا على كل هذه الملايين من البشر ؟

وإذا كان ذلك كذلك فهل نقول أن هذا اعتراف صريح منكم بتأييد الله سبحانه وتعالى ونصرته للمسلمين مع قلة عددهم على القوم الذين من المفترض (حسب عقيدتكم) أنهم أهل الحق وأنهم المؤمنون الحقيقيون ؟

لا ريب ولا شك أن الصليبيين في مصر تائهون حائرون لا يعرفون كيف يصدون بني قومهم عن اعتناق الإسلام العظيم فراحوا يكذبون ويفترون عاملين بالقاعدة التي علّمهم إياها بولس (إذا كان الكذب سيزيد من مجد الرب فلا بأس منه ولن يدينك أحد) وهذه القاعدة مستقاة من رسالة بولس إلى رومية 3-7 حيث يقول فيها(فإنه إنْ كان صِدْقُ الله قَدْ ازْدَادَ بكذبي لـِمَجْدِه فلماذا أُدَانُ أنا بَعْدُ كخاطئ).

ثامنا: كتب التاريخ المسيحية الأرثوذكسية تذكر أن الذي كان يحارب عمرو بن العاص أثناء الفتح الإسلامي لمصر هم الروم البيزنطيين وليس الأقباط

· يقول المؤرخ اسكندر صيفي في كتابه المنارة التاريخية في مصر الوثنية والمسيحية ص206

{وقد لاقى عمرو بن العاص بفتحه الاسكندرية تعبا جمّا ومقاومة عنيدة من الروم}.

· يقول الدكتور جاك تاجر في كتابه أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي إلى عام 1922م ص309: {نلاحظ أولا أن الأقباط لم يعرفوا شيئا عن العرب نعد دخول العرب مصر ، وقد استقبلوهم كمحررين بعد أن ضمن لهم العربُ الحرية الدينية وخففوا عنهم الضرائب }.

تاسعا: هناك الكثير من المميزات التي حصل عليها نصارى مصر بعد الفتح الإسلامي العظيم ولم يكونوا يتحصّلون على عشر معشارها في زمن الحكم الروماني .

وإليك بعضها:

· عودة الأنبا بنيامين بطريرك الأرثوذكس وقتها من مخبئه في الصحراء والذي أعاده عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد هروبه من الرومان .

· لم يهدم المسلمون كنيسة واحدة لنصارى مصر مطلقا .

· أعاد المسلمون للأرثوذكس كنائسهم التي استولى عليها البيزنطيون قبل الفتح الإسلامي .

يقول المؤرخ القمص أنطونيوس الأنطوني في كتابه وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها ص66: {ومما هو جدير بالذكر أن عمرو بن العاص رَدَّ إلى البابا بنيامين الكنائس التي كان استولى عليها الروم}.

· استولى أقباط مصر (الأرثوذكس) على كنائس الروم التي تركوها عند هروبهم من جيش المسلمين .

1- يقول المؤرخ عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسيحية الشرقية ص106: {تمكّن الأقباط من ضَمِّ الكثير من الكنائس الملكانية ومؤسسات دينية إلى الكنيسة القبطية بعد أن تركها البيزنطيون }.

2- يقول المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة في كتابه تاريخ الأمة القبطية ص55 و56: {وانتهز الأقباط القبط خروج الروم فرصة مناسبة فوضعوا يدهم على كثير من كنائسهم وأديرتهم وملحقاتها بدعوى أنها كانت في الأصل ملكا لهم ، والروم نزعوها من يدهم قوة واقتدارا بسبب ما كان بينهم من الشقاق}.

· عيّن عمرو بن العاص كثيرا من أقباط مصر في مناصب كثيرة بل يقول بعض المؤرخين أن الوظائف والمناصب كانت شبه حكر على الأقباط .

يقول المؤرخ عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسيحية الشرقية ص106: {وفي الإدارة المحلية صارت الوظائف شبه حكر على الأقباط دون غيرهم ، فمنهم الكتبة وجامعو الضرائب والقضاة المحليون}.

· انتعشت الثقافة القبطية بعد رحيل البيزنطيين . تاريخ المسيحية الشرقية ص106

· خفّف عمرو بن العاص الجزية والضرائب على المصريين إلى القدر الأدنى .

· جعل عمرو بن العاص الجزية على الرجال القادرين فقط وعفا عن الشيوخ والنساء والأطفال .

ونسرد الآن بعض كتب التاريخ المسيحية والتي تشهد بحسن معاملة عمرو بن العاص لأهل مصر وقت الفتح

1- يقول المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة في كتابه تاريخ الأمة القبطية ص54: { ولما ثبت قدم العرب في مصر شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه واكتساب ثقتهم به وتقرب سراة القوم وعقلائهم منه وإجابة طلباتهم وأول شيء فعله من هذا القبيل استدعاء بنيامين البطريرك الذي سبق القول أنه اختفى من أمام هرقل ملك الروم}.

2- يقول المؤرخ الدكتور عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسحية الشرقية ص107: {ومجمل القول أن الأقباط تحت مظلة الحكم العربي قد حافظوا على تراث أجدادهم ، كما نظر إليهم الحكام العرب وجيرانهم المسلمون بكل تقدير واحترام ، ومن ناحية أخرى اندمج الأقباط لعنصر إيجابي في جسم الأمة العربية الإسلامية ، دون أن يفقدوا هويتهم الدينية أو تراثهم العريق} .

ولو أردنا أن نسرد عشرات المراجع النصرانية التي تتحدث عن فتح مصر وسماحة المسلمين لفعلنا

“ولكن الـمُنْصِف يكفيه دليل واحد ، والـمُبْطِلُ المعاند لا يكفيه ألف دليل”

كتبه أبو عمر الباحث غفر الله له ولوالديه

صبيحة الخميس

الثامن من شعبان 1433

من الـهجرة النبوية

الموافق 28-6-2012

تعليق واحد

  1. اكرمك الله واعلى مراتبك في الايمان وانار قلبك فقد اغضبى هذا بالفعل وفدخلت وكتب لهم سلاماً لانهم جاهلون

اترك ردّاً