الجلدة المنفوخة ومستقبل مصر
أحمد اللهَ رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد فُجعت قلوب المصريين بما حدث في بورسعيد والذي راح ضحيته ما يزيد على خمسة وسبعين قتيلا
وما يزيد على الألف جريح !!
ولستُ الآن أتحدث عن السبب والملابسات فأنا أعتقد أن السادة القرّاء يعلمونه أكثر مني
ولكني أرى أن من يقول أن مشجعي المصري هم الذين فعلوا ذلك في مشجعي الأهلي مخطئ تماما
وقد يستدل بعضهم على هذا القول بأن هناك بعض الصور المنشورة على الفيس بوك تفيد أن من فعل هذا الفعل الإجرامي المشين هم مشجعو النادي الأهلي
وأقول أن هذه الصور يستطيع أي مبتدئ في برامج الفوتوشوب صناعة مثلها بل وأفضل منها بل قد يكون من قام بهذا العمل الإجرامي صنع حسابات على فيس بوك بالفعل وكتب عليها ما كتب لكي يوهم الناس أن فاعل هذه المجزرة شباب متهور من مشجعي النوادي والألتراس .
وحتى لا أقول كلاما مستهلكا يعلمه القارئ ربما أكثر من الكاتب
فأريد أن أنوه على نقاط لعلها تنفع القارئ الكريم:
- تقوى الله في السر والعلن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة)(119) .
- لا يجوز أن نُولي هذه الأحداث ظهورنا ونكتفي بمجرد الصراخ والعويل .
- الامتناع عن نشر الصور التحريضية التي ينشرها البعض دون تحقق .
- وقد ثبت أنها صور لأشخاص قُتلوا في بلاد أخرى في مواقف مختلف .
- على كل مصري أن يتكاتف مع أبناء بلده ضد أي فعل إجرامي منظم مثل هذا .
- تفويت الفرصة على كل مجرم أثيم يريد إزهاق أرواح أبنائنا وسفك دمائهم البريئة .
- على مجلس الشعب أن يقف وقفة صارمة حازمة قاسية مع المجلس العسكري والحكومة الحالية .
- أناشد المسئولين عن تنظيم المباريات أن يتم إيقاف هذه المباريات فورا لنفوت الفرصة على أي مجرم يخطط لارتكاب مجزرة أخرى مثل هذه
- كما أسجل هنا أني أصلا أقول أن بلدنا تحتاج إلى أيدٍ عاملة فاعلة لبناء وطننا ولسنا في حاجة لقطعة من الجلد المنفوخ يجري خلفها الشباب وتقوم الدنيا ولا تقعد بسببها .
- على المجرمين مرتكبي هذه المجزرة إذا بلغهم كلامي هذا أن يتوبوا إلى ربهم من هذه الجريمة الشنيعة
-
وليعلموا أن هناك يوما تجتمع فيه الخصوم عند الله
قال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء)(93)
وعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ قَالَ جُنْدَبٌ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ” يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي فَيَقُولُ قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ “
قَالَ جُنْدَبٌ فَاتَّقِهَا.
رواه النَسائي بإسناد صحيح.
وقد سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، ثُمَّ اهْتَدَى،
قَالَ: ” وَيْحَكَ ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
” يَجِيءُ الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ؟
” وَاللهِ لَقَدِ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَا نَسَخَهَا بَعْدَ إِذِ انْزَلَهَا، قَالَ: وَيْحَكَ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى ؟ “.
رواه أحمد بإسناد صحيح
وليعلموا أنهم إن لم يُؤاخذوا في الدنيا فإنهم مُـحضَرون للفصل في هذا أمام الله يوم القيامة
وعند الله تجتمع الخصوم
- وهو بيت القصيد وبسببه كتبت مقالتي هذه أنه لا يجوز الجزم لأحد بالشهادة حتى لو مات في أرض المعركة مجاهدا في سبيل الله فيما يظهر لنا فالموضوع جد خطير ففي زماننا هذا وجدنا من يطلق لفظ الشهادة على أحد الفنانين والذي كان معروفا بفسقه وتصوير مشاهد مع نساء شبه عاريات
-
تخيلوا أن الفاسق الذي لا يشك عاقل فضلا عن عالم على فسقه أصبح في زماننا هذا يقال عنه شهيد
فأصبحنا نسمع عن شهيد الفن وشهيد الكرة وشهيد الحب وشهيد الطرب
وهذه لعمر الله أنواع جديدة من الشهادة ما سمعنا بها في آبائنا الأولين
قال النبي صلى الله عليه وسلم:للشهيد عند الله خصال:
1- يغفرُ له في أول دفعةٍ من دمه.
2- ويُرى مقعده من الجنة.
3- ويُحلى حلية الإيمان.
4- ويُزوجُ [ اثنتين وسبعين زوجة ] من الحور العين.
5- ويُـجارُ من عذاب القبر.
6- ويَأمن من الفزع الأكبر.
7- ويُوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها.
8- ويُشَفّع في سبعين إنساناً من أهل بيته).
صححه الألباني صحيح الجامع برقم 5182
ولكن لا ينبغي أن يقال عن فلان من الناس بصيغة الجزم أنه شهيد .
فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله أو من يخبر اللهُ رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد
وقد قال البخاري في صحيحه باب لا يقول فلان شهيد
قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم “الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله“
وروى البخاري تحت هذا البابِ هذا الحديثَ الشريف
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره
ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل
لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه
فقال ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما
وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت
فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه
فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله
قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك
فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت
فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة
فيما يبدو للناس وهو من أهل النار
وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
قال الإمام بن حجر العسقلاني:
( قوله باب لا يقال فلان شهيد ) أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي(1)
قال الإمام بدر الدين العَيني:
” أَي: هَذَا بَابٌ يذكر فِيهِ: لَا يُقَال فلَان شَهِيد، يَعْنِي: على سَبِيل الْقطع، إلاَّ فِيمَا ورد بِهِ الْوَحْي. (2)
فكيف نجزم لمن مات في غير أرض الجهاد أنه شهيد ؟
لنا أن نسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته وأن يتقبله في الشهداء
ولكن لا نجزم لأحد بالشهادة إلا من جاء فيه نص إلهي أو نص نبوي بذلك.
والله من وراء القصد وهو الموفق لكل خير ،،
مراجع:
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري ج6 ص90 ط
دار المعرفة – بيروت
2- عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج14 ص180 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت
كتبه أبو عمر الباحث
في الحادي عشر من ربيع الأول
عام 1433 من هجرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم