شبهة عمر ابن الخطاب يقرأ الفاتحة بغير قراءتنا !

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد:
هذا رد على سؤال أخ فاضل عن شبهة بخصوص القرآن الكريم
وهذا كلام الأخ أولا:
—————
معلش بس انا لقيت على موقع اقتباس من تفسير بن كثير عن ان سيدنا عمر رضي الله عنه كان بيقرأ سورة الفاتحة غير المغضوب عليهم و غير الضالين ، ولقيت اقتباس ان كان في قراءة صراط من انعمت عليهم مش الذين
يا ريت بس ممكن تفهمني ازاي القراءات دي و هل هي صحيحة ؟ لاني لقيت واحد كاتب ان القرآن ناقص و الكلام ده ؟!
—————
والرد كالتالي بحول الله وقوته
سأجيبك أخي الكريم بإذن الله إجابة كافية شافية تنفعك بإذن الله في أي شبهة تتعلق بالقرآن الكريم فيما بعد بمشيئة الله.
فأقول وبالله وحده التوفيق أن العمدة في هذا الباب هو هذه الرواية:

{ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.
قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
}.
صحيح البخاري
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك إلا هذا القرآن الذي بين الجِلدتين من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس بلا تغيير أو نقص أو زيادة
وكل رواية توحي بما سوى ذلك فهي أما رواية موضوعة مكذوبة أو مؤولة.
كما قال الإمام الألوسي في روح المعاني ج21 ص142:
{والحق أن كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن إما موضوع أو مؤول}

وعندنا ثلاثة شروط لقبول القراءة الصحيحة وهي:
1- اتصال السند.
2- موافقة الرسم العثماني.
3- موافقة وجه من أوجه اللغة العربية.

وحينما تجد أخي الكريم أي رواية للقرآن الكريم  تخالف شرطاً من هذه الشروط الثلاثة فهي قطعاً لا تصح.
تعال لنُنَزِّل هذه القواعد على الكلام الذي أتيتَ به
————–
سيدنا عمر رضي الله عنه كان بيقرأ سورة الفاتحة غير المغضوب عليهم و غير الضالين
وجدت اقتباس يقول أن عمر كان يقرأ :صراط مَن انعمت عليهم وليس الذين . أهـ
————-
وأقول:
الرسم العثماني الذي بين أيدينا يقول الآتي
{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين }

إذاً كلام صاحب الشبهة يخالف الرسم العثماني الذي أجمعت عليه الأمة الإسلامية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تجتمع على ضلالة.

ثم هناك نقطة آخرى
القرآن منقول بالتواتر أي حفظه عشرات الصحابة بل مئات الصحابة مباشرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر الشريف
وتعلم التابعون القرآن الكريم من الصحابة وحفظوه عن ظهر قلب
وكان التابعون بالآلاف بل بعشرات الآلاف
ثم تعلم تابعو التابعين القرآن الكريم من التابعين وحفظوه وكانوا بمئات الآلاف بل وبالملايين
فكيف نترك كل هذه الملايين الذين تواتر نقل القرآن الكريم عنهم كما هو بلا تغيير ، ثم نأخذ برواية مثل التي جاء بها صاحب الشبهة حتى لو كانت صحيحة الإسناد ؟

سأضرب لك مثالاً أخي الكريم على ما أقصد
مثلاً حدث حادث على الطريق الصحراوي
وهذا الحادث شاهده آلاف الناس واتفقت روايتهم أن السيارة التي وقع بسببها الحادث سيارة بيضاء اللون
ثم جاء شخص واحد وخالف كل هذه الآلاف المؤلفة وقال أن السيارة كانت سوداء !
فمن سنصدق حينئذ ؟
الآلاف المؤلفة أم هذا الشخص ؟
وهكذا الحال في نقل القرآن الكريم ، مع التنبيه على نقطة مهمة جدا
وهي: أن نقلة القرآن الكريم نعرف عنهم كل شيء عن عدالتهم وضبطهم ونحن على يقين أنهم أناس صالحون متمسكون بدينهم وكانوا غير مستعدين لتضييع أو تغيير حرف من كتاب الله من أجل الدنيا
أضف إلى ذلك كله أن العلماء اختاروا من بين هذه الآلاف المؤلفة من القراء أفضل مَن فيهم وأشهر مَن فيهم وأوثق مَن فيهم ضبطاً وحفظاً وإتقاناً وورعاً وديِناً
وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي في متن الشاطبية

{ تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ … وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلَا }

فالعلماء اختاروا مِن هؤلاء القرّاء الحفّاظ أبرعَهم وأفضلَهم وليس يأكل ويشرب بالقرآن أي بسبب القرآن كما هو الحال اليوم .
تجد بعض القراء على المقابر يقرأون القرآن في المقابر ليتحصلوا على بعض المال !
هل تعلم مثلا أن الإمام أبا بكر شعبة بن عياش – وهو الذي يروي عن عاصم ابن أبي النجود – قد خَتَمَ القرآن الكريم 18.000 ختمة كما في سير أعلام النبلاء للذهبي !
فههؤلاء الأئمة كانوا يشتغلون بالقرآن عما سواه، فأتقنوه وحفظوه عن ظهر قلب.
ولهذا بارك الله لهم في علمهم وعملهم وسُمِّيَتْ قراءاتُ القرآن الكريم بأسمائهم.
ثم أقول: في حالة وجود أيِّ رواية ويأتي بها أي مُغْرِض، وتكون هذه الرواية مخالفةً للعَرْضَةِ الأخيرة أو مخالفة لمصحف عثمان فهي إما لا تصح من جهة السند أو تكون قراءةً منسوخةً بالعرضة الأخيرة.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوَّلَ ؟ قَالُوا: قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَا، بَلْ هِيَ الْآخِرَةُ، ” كَانَ يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَهُ عَبْدُ اللهِ فَعَلِمَ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ
مسند أحمد ج5 ص395 ط الرسالة
إذاً فعمر ابن الخطاب كان يقرأ بهذه القراءة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل نسخها في العرضة الأخيرة
وأنبه أن العرضة الأخيرة هي القرآنُ الموجودُ بين الدَفَّتَيْن الذي جاء الدليل عليه في صحيح البخاري
وهذه العرضة الأخيرة حضرها عبد الله ابن مسعود وزيد ابن ثابت رضي الله عنهما
وزيد ابن ثابت هو الذي قام بجمع القرآن الأول في خلافة الصديق والجمع الثاني في خلافة عثمان فهو عالم بما نُسِخَ وما لمْ يُنْسَخْ.

ثم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يصلي بالناس في خلافته
فهل يُتَخَيَّل أن سيدنا عمر ابن الخطاب سيقرأ الفاتحة بقراءة مخالفة لما في المصحف بعد النسخ ويتركه الصحابة والتابعون هكذا دون نكير عليه ؟!
ثم سورة الفاتحة لا تصح الصلاة إلا بها ومعلوم أن كل المسلمين وعلى رأسهم الصحابة سيصلون بهذه السورة
فهم قطعا يحفظونها عن ظهر قلب كبارا وصغارا رجالا ونساء
ولقد بلغ عدد الصحابة الذين غزا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك أكثر من عشرة آلاف
كما روى مسلم في صحيحه من حديث كعب ابن مالك في غزوة تبوك قال:
{ وغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ }.
فتخيل غزوة تبوك فقط ذهب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أكثر من عشرة آلاف صحابي
فكم ترك النبي من الصحابة ممن لم يخرجوا معه لحفظ البيوت والأهل والأموال ؟
ثم كم عدد النساء اللائي لم يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وطبعًا كل هؤلاء كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه سورة الفاتحة في صلاتهم، ولم ينقلوا لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها بغير القراءة التي نعرفها اليوم، والتي تواتر نقلها إلينا بما يستحيل الخطأ عليها.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ج1 ص2 ط دار الكتب العلمية:
{فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم, ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة, بالنسبة على ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان, من رجل وامرأة, كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية ..}.
وعليه فإن أكثر من مائة ألف صحابي نقل سورة الفاتحة من النبي صلى الله عليه وسلم .
وطبعا هؤلاء المائة ألف سينقلون سورة الفاتحة ويعلّمونها لمئات الآلاف من التابعين الذين بدورهم سيعلمون هذه السورة للملايين من المسلمين وهكذا ..
فهل كل هؤلاء على خطأ ، وصاحب الشبهة الفذ العبقري على صواب ؟
أرجو أن أكونَ قد وُفّقت في إجابة سؤالك أخي الكريم إجابة شافية كافية وافية
ووفقك الله لما فيه رضاه

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

4 تعليقات

  1. كﻻم جميل ولكن في سورة الفاتحة كلمة مالك .. وتقرأ ملك وهذا معروف وغير منكر … وهنالك امثلة اخرى … والصحيح ان القران نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بهاتين الصورتين … وهذا من اعجاز القرأن الكريم …. لعدم وجود كلمة تشمل المعنيين … وهما مختلفان ويكمﻻن بعضهما …هكذا نزلت وهكذا نزلت….

    • كلامك لا يخالف كلامي بارك الله فيك
      لأن ألف الإلحاق الصغيرة ليست من أصل الرسم العثماني، وإنما جعل الرسم العثماني بهذه الطريقة ليحتمل جميع القراءات الصحيحة.
      وإذا نظرت في المصحف ستجدها مكتوبة { ملك } ، وإذا نظرت في المصاحف المطبوة على قراءة حفص فستجد حرف الألف الصغير بعد الميم وقبل اللام.

  2. السلام عليكم شيخنا فاضل اريد اسألك سؤال رأيت شخص يقول كيف يقول الله فير قران لزوجات النبي عليه الصلاة وسلام انه (اتين الزكاة) وفي نفس الوقت يقول (وقرن في بيوتكم) كيف يأتن زكاة وهم داخل البيت اليس يوجد تناقض ؟ وشكرأ.

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      حياك الله اخي الكريم
      أولا: ليس معنى قوله تعالى: { وقرن في بيوتكن } ألا تخرج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من البيوت نهائيًا، هذا الفهم باطل. بل يجوز لأمهات المؤمنين الخروج لقضاء الحوائج والسفر للحج والعمرة وصلة الأرحام وغير ذلك.
      ثانيا: إخراج المرأة لزكاة مالها لا يلزم منه خروجها، فتستطيع المرأة أن تعطي زكاة أموالها لزوجها او لأحد أولدها او معرفها أو كيل أعمالها ، وهو يوصلها إلى الفقراء الذين تريد هذه المرأة أن تعطيهم زكاة أموالها.
      بل يجوز لها أيضا أن تخرج بنفسها لتعطي زكاة مالها لمن تعتقد المرأة أنه يستحقها.

اترك ردّاً