هل حديث حب النبي لعائشة وأبيها وعمر ضعيف ؟!

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:

هاتانِ صورتانِ نشرهما أحدُ الرافضة من صحيح البخاري وكتاب تهذيب التهذيب لِيطعن بهما في حديث حُبِّ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين عائشة وأبيها وعمر رضي الله عن الجميع !

image

  1368

1369

.

وإليك البيان:
الرافضي صاحب هذا المنشور جَاهِلٌ جَهْلًا مُرَكَّبًا، أي أنه جَاهِلٌ ولا يدري أنه جاهل !
فهو يظن أنَّ مجردَ ورودِ كلامٍ لبعض العلماء والأئمة في أحد رواة الحديث كافٍ للطعن في صحة الرواية !
وإني ليزداد عجبي كل يوم من هؤلاء الرافضة، حيث وهبهم اللهُ عقولًا ليميزوا بها, ولكنهم يأبون إلا عبادة الهوى وتقديس البشر.
وحتى لو كان خالد الحَذَّاء ضَعِيفًا؛ فإن منهجَ الإمام البخاريِّ في تخريجه للرواة الْمُتَكَلَّمِ فيهم أنه ينتقي من أحاديثهم الصحيحَ فقط، ويترك ما دون ذلك.
فما بالكم وأنَّ خالدًا الحَذَّاءَ ثقةٌ ثبتٌ كما قال غيرُ واحدٍ من الأئمة والعلماء ؟!!
وقد أسعدني أن الرافضي عاد لِكُتُبِ الرجال والجرح والتعديل، فإننا كلما رفضنا رواياتِهِم الضعيفةَ التي يَحْتَجُّون بها علينا يقولون أنتم تُضَعِّفُون كُلَّ شيء!
فالآن انقلب السحر على الساحر، وسنعود لكتب الرجال أيضًا لنبين جَهْلَ هذا الرافضيِّ عَلَّه يتوب ويؤوب ويتعلم شيئًا ينفعه في دينه ودنياه !
ولكن أيضا قبل هذا  أكحل عينيّ الرافضي بتعليق الإمام الذهبي على رواية عمرو بن العاص، حيث قال:
[ وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ الرَّوَافِضِ، وَمَا كَانَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِيُحِبَّ إِلاَّ طَيِّباً … فَأَحَبَّ – عليه الصلاة والسلام – أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَمَنْ أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُوْنَ بَغِيْضاً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ. وَحُبُّهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِعَائِشَةَ كَانَ أَمْراً مُسْتَفِيْضاً، أَلاَ تَرَاهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا، تَقَرُّباً إِلَى مَرْضَاتِهِ؟ ]. سير أعلام النبلاء (2/ 142).

والآن نشرع في المقصود:
•  أولا:
نبين أن الرواية وَرَدَتْ بِعِدَّة أسانيدَ أخرى، وهذا يعني أن الرواية صحيحة بدون سند خالد بن مهران الحَذَّاء أصلًا !
1. فقد روى ابنُ حبان في صحيحه قال:  أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ” أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قِيلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، قِيلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ “. صحيح ابن حبان ج15 ص460 ، ط الرسالة – بيروت.

وقال المحققون: [  إسناده صحيح على شرط مسلم ].
2. وإليكم طريق ثالث عن عمرو بن العاص رضي الله عنه:
قال ابنُ حِبَّان:  أَخْبَرَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: ” عَائِشَةُ “، فَقُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي النِّسَاءَ إِنَّمَا أَعْنَى الرِّجَالَ، فَقَالَ: ” أَبُو بَكْرٍ “، أَوْ قَالَ: ” أَبُوهَا “.
صحيح ابن حبان ج16 ص40 ، ط الرسالة – بيروت.

وقال المحققون: [  إسناده صحيح على شرط الشيخين ].
إذا فالرواية مروية بثلاثة أسانيد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ذكرنا لكم طريقين، والطريق الثالث الموجود في صحيح البخاري نفسه من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي !
•  ثانيا:
ثم إن هناك من الصحابة غير عمرو بن العاص مَنْ رَوَى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1.  أم المؤمنين عائشة تنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس الكلام:
روى الإمام أحمد قال:  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَيَزِيدُ الْمَعْنَى، قَالَا أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: … أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَتْ: ثُمَّ عُمَرُ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: يَزِيدُ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: فَسَكَتَتْ “. مسند أحمد  25829
طريق آخر لرواية أم المؤمنين عائشة:
قال الطبراني:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ، ثنا أَبِي، ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

وهذا سند ضعيف، لجهالة أم محمد وضعف علي بن زيد بن جدعان.

2.  أنس بن مالك رضي الله عنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس الرواية:
ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: ” عَائِشَةُ “. فَقَالُوا: لَسْنَا نَعْنِي النِّسَاءَ، قَالَ: ” فَأَبُوهَا إِذًا “.
3. متابعة مُرْسَلَة:
في جامع معمر بن راشد قال: عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم  عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: غَزْوَةُ ذَاتُ السَّلاسِلِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: ” عَائِشَةُ “، قَالَ: قُلْتُ: لَسْتُ أَعْنِي النِّسَاءَ، قَالَ: ” فَأَبُوهَا إِذًا ” برقم (1009)- [20399]
وهذا شاهد مرسل قوي ، فابن سيرين من أئمة التابعين، ولعله سمعه من عمرو بن العاص، ولقد رأيته موصولًا في المنتخب من أحاديث يونس بن عبيد لأبي نعيم الأصبهاني ، لكنه من طريق مُحَمَّد بْن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وهو متروك الحديث.
وأنا لا أحتجُّ به على الرافضي، فكل سند من الأسانيد السابقة بمفرده كافٍ شافٍ لإثبات الخبر. بل إن خبر ابن سيرين على إرساله أقوى من رواية الترمذي التي استدل بها الرافضي كما سيأتي.
4.  وهناك متابعة أخرى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: [ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْغَزْوِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” مَرْحَبًا بِرَجُلٍ سَلِمَ وَغَنِمَ، هَاتِ حَاجَتَكَ “، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : ” هَذِهِ خَلْفِي ” وَهِيَ عَائِشَةُ، قَالَ: لَمْ أَعْنِكَ مِنَ النِّسَاءِ، أَعْنِيكَ مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ: ” أَبُوهَا “]
لكنها ضعيفة ، ففي سندها ” نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ ” وهو متروك الحديث كما قال ابْنُ حَجَر في المطالب العالية.
ولو أردنا أن نحتج بالضعيف لاحتججنا بهذه الرواية، وفعلنا كما يفعل الرافضة هداهم الله إلى الإسلام !
الخلاصة: أثبتنا أن الرواية لها ثلاثة طرق صحيحة عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم طريقان أحدهما صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطريق صحيح عن أنس رضي الله عنهما، ثم رواية مرسلة عن ابن سيرين، ثم رواية لا تصح عن ابن عباس!
•  ثالثا:
الكلام عن خالد بن مهران الحذاء:
استدل الرافضي بأربعة مواضع من تهذيب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ليطعن في خالد الحذاء:
1. قال ابن حجر: [ وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل عن أبيه لم يسمع خالد الحذاء من أبي عثمان النهدي شيئا ].
وهنا ينفي الإمام أحمد سماعه من أبي عثمان، ولكن السماع قد ثبت من طريق آخر في غير هذا الحديث.
فقد روى الحاكم في المستدرك قال:
ثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ، قَالُوا: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ  خَالِدٍ  الْحَذَّاءِ ، قَالَ: سَمِعْتُ  أَبَا  عُثْمَانَ  النَّهْدِيَّ  يُحَدِّثُ، أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ:” تُرْفَعُ لِلرَّجُلِ صَحِيفَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَرَى أَنَّهُ نَاجٍ، فَمَا تَزَالُ مَظَالِمُ بَنِي آدَمَ تَتْبَعُهُ حَتَّى مَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، وَيُزَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ “،
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أَوْ قَالَ لَهُ عَاصِمٌ: عَمَّنْ يَا أَبَا عُثْمَانَ؟  قَالَ: عَنْ سَلْمَانَ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَرَجُلَيْنِ آخَرَيْنَ لَمْ يَحْفَظْهُمَا…}.
وبقوله [عَنْ  خَالِدٍ  الْحَذَّاءِ ، قَالَ: سَمِعْتُ  أَبَا  عُثْمَانَ  النَّهْدِيَّ] ثبت سماعُ خالد الحذاء من أبي عثمان.

ونقول أن الإمام أحمد رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث. فنتعذر له ونترحم عليه.
وقد وقع عند الحافظ أبي القاسم ابن عساكر رحمه الله تصريح خالد الحذاء بسماع الرواية محل النقاش من أبي عثمان. فقال:
[ أَنَا أَبُو الْأَعَزِّ قَرَاتَكِينُ بْنُ الْأَسْعَدِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ لُؤْلُؤٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبَانٍ السَّرَّاجُ، أَنَا بَشَّارُ بْنُ مُوسَى الْخَفَّافُ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا  خَالِدُ  الْحَذَّاءُ ، قَالَ: سَمِعْتُ  أَبَا  عُثْمَانَ  النَّهْدِيَّ ، يَقُولُ:” كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَالِسًا يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ جَيْشِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: فَعَدَّ لِي رِجَالًا “.

تاريخ دمشق  ج3 ص199 ط دار الفكر – بيروت.

لكن للأمانة العلمية في سندها بشار بن موسى الخفاف العجلي، وهو ضعيف كثير الغلط.
وإن كان الإمام أحمد قال بعدم السماع، فقد أثبت غيرُه السماعَ كيحيى بن معين وبدر الدين العيني.

والمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ على النافي لأنَّ معه زيادةَ عِلْم.

وقال عبد الله بن أحمد: [ قلت ليحيى: خالد الحذاء , سمع من أبي عثمان النهدي ؟ قال : نعم , قد روى عنه . قلت : سمع منه ؟ قال : نعم ]. موسوعة الإمام أحمد في الجرح والتعديل  ج1 ص335
قال بدر الدين العيني:
[خالد بن مهران الحذاء أبو المُنازل البصري القرشي مولاهم، … رأى أنس بن مالك، وسمع أبا عثمان النهدي، وعطاء بن أبي ميمونة …]. شرح أبي داود للعيني (1/ 139)
وعليه أقول أن سماع خالد الحذاء من أبي عثمان النهدي ثابت، والله أعلم. ولستُ هنا بصدد إثبات سماع كل ما يرويه خالد الحذاء عن أبي عثمان، كما أن هذا أيضًا ليس مَوضعَ بَسْطِهِ.
ولكن فقط أحببتُ أَنْ أُثْبِتَ للرافضيِّ أنَّ طريقة الاجتزاء التي يمارسونها لا تنفع معنا معشرَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة.
2. استدل الرافضي بقول ابن حجر:  [  وحكى العقيلي في تاريخه من طريق يحيى بن آدم عن أبي شهاب قال: قال لي شعبة عليك بحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق فانهما حافظان وأكتم علي عند البصريين في خالد الحذاء وهشام].
قلت: قد رَدَّ الذَّهَبِيُّ على هذا الكلام فقال: [ هَذَا الاجْتِهَادُ مِنْ شُعْبَةَ مَرْدُوْدٌ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ خَالِدٌ وَهِشَامٌ مُحْتَجٌّ بِهِمَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ)، هُمَا أَوْثَقُ بِكَثِيْرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ…].  سير أعلام النبلاء (6/ 191).
وقال الذهبي أيضًا: [ ما التفتَ أحدٌ إلى هذا القولِ أبدًا ]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال (2/ 428).
3. استدل الرافضي بقول ابن حجر:  [ قال يحيى: وقلت لحماد بن زيد فخالد الحذاء قال قدم علينا قدمة من الشام فكأنّا أنكرنا حفظه ].
قلت (أبو عمر) : هذا ليس بشيء، فالذين رووا هذه الرواية عن خالد الحذاء بصريون، وهذا يعني أن روايتهم عنه كانت قبل ذهابه إلى الشام وتغيُّر حفظه.
ففي البخاري راويها عن خالد الحذاء عبدُ العزيز بن المختار الدَّبَّاغُ، أبو إسحاق الأنصاري البصري، كذلك في البخاري راويها خالد بن عبد الله الطحان، وهو واسطي من العراق، وحسب بحثي أنه لم يخرج من العراق، والله أعلم.
وعليه أقول أن قول حماد بن زيد في خالد لا يطعن في صحة الرواية محل النقاش.
4. استدل الرافضي بقول ابن حجر: [ والظاهر ان كلام هؤلاء فيه من أجل ما أشار إليه حماد بن زيد من تغير حفظه بآخره أو من أجل دخوله في عمل السلطان والله أعلم].
وهذا القول يؤيد ما قلته سابقا، فالرجل ثقة لا يُقدح في عِلمه أو صِدقه ، أو حفظه إلا ما قيل عن تَغَيُّرِهِ بعد ذهابه إلى الشام، وقد أثبتنا أن روايته لحديث عمرو بن العاص كانت قبل سفره للشام.
•  رابعًا:
1. منهج الإمام البخاري في كتابه معروف لطلبة العِلْم، فهو يشترط سماع كل راوٍ من شيخه الذي يروي عنه.
قال الإمام ابن كثير:
[ أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسن مسلم بن الحجاج لنيسابوري. فهما أصح كتب الحديث.
والبخاري أرجح، لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عند سماعه منه…]. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ص25 ، ط دار الكتب العلمية -بيروت.
قال الحافظ ابن حجر : [ ومسألة التعليل بالانقطاع وعدم اللحاق قَلَّ أن تقع في البخاري بخصوصه ، لأنه معلومٌ أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء ]. النكت على مقدمة ابن الصلاح ( 1 / 383 ).
2. وقد عرض البخاري صحيحه على أئمة الحديث وحُفَّاظِ الدنيا كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوا كتابه إلا أربعة أحاديث، وقال العقيلي: والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة.
فليس إخراج هذا الكتاب مقتصرًا فقط على اجتهاد وجمع وتنقيح وتصحيح الإمام البخاري وحده !
ثم هناك شُرَّاحُ هذا الكتاب كابن بَطَّال وابنِ حجر العسقلاني وبدر الديني العيني وغيرهم، كل هؤلاء لم يطعنوا في الرواية, حتى جاء الرافضي الجبهذ النحرير فاكتشف ما لم يكتشفه هؤلاء العلماء الحفَّاظ العمالقة !
•  خَامِسًا:
وضع الرافضيُّ روايةً تقول أنَّ أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت أن فاطمة عليها السلام أحب الناس إلى رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم !
[حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسُئِلَتْ: أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ: ” فَاطِمَةُ “، فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: ” زَوْجُهَا إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا “. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ].
ولكن الترمذي لما روى حديث عمرو بن العاص في جامعه قال عنه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ !!
فترك الرافضي قولَ الترمذي ” حسن صحيح “، وأخذ بقوله ” حسن غريب ” !!
وهو بطبيعة الحال معارَض بحديث عائشة رضي الله عنها نفسه الذي ذكرناه أعلاه، ثم هو  ضعيف السند .
ووجه ضعف سنده أن في سنده جُمَيْعَ بنَ عمير التيميَّ.
قال الذهبيُّ عنه بعدما ذكره في السير: [ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ.]. سير أعلام النبلاء (2/ 125)
وقال بعدما ذكره في التاريخ : [  جُمَيع كذَّبه غيرُ واحد ]. تاريخ الإسلام (2/ 361).

فكيف ترك الرافضيُّ الرواياتِ الصحيحةَ واستدل بروايةٍ ضعيفةٍ ساقطةٍ ؟!!

وبهذا يتبين جهلُ الرافضي وبطلان طعنه في رواية البخاري .

والحمد لله رب العالمين ،،،،

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

اترك ردّاً