الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وَمَنْ والاه وبعد:
سألني أحد الإخوة عن كلام كتبه أحد النصارى يقول فيه: إن الله عز وجل عاقب نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالموت بدليل قوله تعالى { ولو تَقَوَّلَ بعضَ الأقاويل }.
ويقول النصراني إن النبي محمد عليه الصلاة والسلام مات مسمومًا كما في صحيح البخاري ، وقال النصراني إن الوتين هو الأبهر. فهذا يدل على أن الله عاقبه بالموت مسمومًا لأنه تقوَّل على الله !!
فقلتُ مستعينًا بالله:
أنا لا أستغرب من فهم النصراني الأعوج لآيات القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء قوم قال عنهم كِتَابُهُم إنهم يولدون كجحش الفراء ، وأنهم عديمو الفهم فارغون، فقد جاء في كتابهم في سفر أيوب 11 – 12 يقول:
[ أَمَّا الرَّجُلُ فَفَارِغٌ عَدِيمُ الْفَهْمِ ، وَكَجَحْشِ الْفَرَاءِ يُولَد الْإِنْسَانُ ].
أولا: النبي صلى الله عليه وسلم خيَّره الله بين لقائه وبين الحياة فاختار لقاء الله.
فهل مَنْ يعاقبه الله سيكون سعيدًا وهو مُقْبِلٌ على لقاء الله ؟!
وليس هذا فقط ، بل يختار الموت على الحياة ونعيمها وملذاتها !!
إذًا ففكرة النصراني في حد ذاتها فكرة باطلة وسخيفة كما أنها متناقضة ومضحكة !
ثانيا: هناك فَرْقٌ بين مَنْ يقبضه اللهُ على عُجَالَةٍ وبين مَنْ يَعْلَم بموعد موته مختارًا له مُرَحِّبًا به.
فالله حينما تكلم عن قبض أرواح البشر قال { إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون }.وهذا لا ينطبق على النبي صلى الله عليه وسلمن لأن الأنبياء يُخَيَّرُونَ بين الموت والحياة.
ثالثًا:
لو كان الله يعاقب النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالموت ؛ فلماذا تركه حتى أكمل رسالته وأتمها ؟!
بل الذي أعلنَ انتهاء الرسالة وتمامها واكتمالها هو الله نفسه حينما قال: { اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا }.
رابعا:
لو كان النبي صلى الله عليه وسلم مُدَّعِيًا للنبوة ويرى انطباق الآية على حالته ؛ فهل كان سيخبرنا بنفسه أنه مات بالطريقة المذكورة في الآية ؟!
قال الإمامُ ابنُ كثير:
[ يقول تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا } أي: محمد صلى الله عليه وسلم لو كان كما يزعمون مفتريًا علينا، فزاد في الرسالة أو نقص منها، أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا، وليس كذلك، لعاجلناه بالعقوبة. ولهذا قال { لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ } قيل: معناه لانتقمنا منه باليمين؛ لأنها أشد في البطش، وقيل: لأخذنا منه بيمينه ].
فإذا كانت مجرد الزيادة في الرسالة أو النقصان منها يكون سببًا في إنزال العقاب على الرسول صلى الله عليه وسلم من الله ؛ فكيف يكون حاله لو مفتريًا على الله بالرسالة كلها كاملة ؟!
خامسًا:
الله سبحانه وتعالى قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة مع إخوانه من النبيين، كما في قوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }. فكيف يجتمع العقاب مع النعيم وحسن الثواب ؟
سادسًا:
هل تقوَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم على اللهِ شيئًا ؟!
الله سبحانه وتعالى نفسه يشهد بخلاف ذلك وضده ، فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم: { وَمَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }.
سابعًا:
من الذي قال إن الأبهر هو نفسه الوتين ؟!
الجواب: النصراني.
فنقول: إذًا, فعليه أن يثبت كلامَه بمرجع عِلْمِي معتمد.
ثامنا:
لو كان المسلمون فَهِمُوا من هذه الآية وهذا الحديث ما فَهِمَه النصرانيُ ، فالطبيعي أن ينتهي ذِكْرُ النبي صلى الله عليه وسلَّم عند الصحابة لأنهم – بحسب فهم النصراني – آمنوا بنبي مزعوم ، والعقل يقتضي أن يمحى أَثَرُهُ بينهم، ولكن العكس هو الصحيح !
فلقد ثَبَتَ أصحابه على دينه وفتحوا البلاد ودخل الناس في دينهم الله أفواجًا ، وصار اسْمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُذْكَرُ مع كُلِّ أذان في شَتَّى رُبُوع الأرض !!
تاسعًا:
كتاب النصارى فيه كلام يقرر عكس ما قاله وفهمه هذا النصراني !!
جاء في سفر التثنية فصل 20 ، يقول:
18 أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ.
19 وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ.
20 وَأَمَّا النَّبِيُّ الذِي يُطْغِي فَيَتَكَلمُ بِاسْمِي كَلاماً لمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلمَ بِهِ أَوِ الذِي يَتَكَلمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى فَيَمُوتُ ذَلِكَ النَّبِيُّ.
21 وَإِنْ قُلتَ فِي قَلبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الكَلامَ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ؟
22 فَمَا تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلمْ يَحْدُثْ وَلمْ يَصِرْ فَهُوَ الكَلامُ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ بَل بِطُغْيَانٍ تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ فَلا تَخَفْ مِنْهُ».
بحسب هذه النصوص نجد أن الرَّبَّ في كتاب النصارى يقول إنَّ الرَّجُلَ الذي يَطْغَى على الرب ويتكلم باسمه كلامًا لم يقله الرب ، فإن الرب سيقتل هذا النبي.
وسبب قتل الرب لهذا النبي المزعوم أن الرب لا يريد أن يتركه لِيُضِلَّ الناسَ ويفتنهم.
فكيف ترك الربُ نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم حَيًّا حتى أكمل رسالته وتمت نبوته وثبتت شريعته ؟!
فإما أن يكون هذا النَّصُّ خطأً ، وعلى النصارى أن يحذفوه من كتابهم ، وأما أن يعترف النصراني بأن نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام كان نبيًا صَادِقًا ، ولذلك لم يقتله الله.
ثم ركز معي جيدًا في هذه النصوص:
21 وَإِنْ قُلتَ فِي قَلبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الكَلامَ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ؟
22 فَمَا تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلمْ يَحْدُثْ وَلمْ يَصِرْ فَهُوَ الكَلامُ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ بَل بِطُغْيَانٍ تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ فَلا تَخَفْ مِنْهُ».
إذًا فعلينا أن ننظر في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ونبوءاتِهِ الغيبية لنرى هل تحققت أم لا !
وكل مَنْ قرأ سنته الشريفة وسيرته العطرة علم اليقين جيدًا أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث أغلبه واحدة واحدة. وما لم يحدث فهي نبوءات لم يحن ويأتِ وقتها بعد !
وهذا مثال:
إخباره عليه الصلاة والسلام أن ابنته فاطمة هي أول أهله لُحُوقًا بِهِ واقترابِ أجله
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي فَبَكَيْتُ فَقَالَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ البخاري ومسلم.
لاحظ معي أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكنْ مريضًا حينما أخبر ابنته أنه سيموت. فهل الله سيخبر مدعي النبوة أنه سيموت قبلها بفترة ؟!
وجاء في سفر إرميا 23 – 34 قال:
[ فالنبي أو الكاهن أو الشعب الذي يقول ” وحي الرب ” أعاقب ذلك الرجل وبيته ].
وترجمة الحياة فيها المعنى بشكل أوضح:
[ أَمَّا النَّبِيُّ أَوِ الْكَاهِنُ أَوْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ يَدَّعِي قَائِلاً: هَذَا وَحْيُ الرَّبِّ، فَإِنِّي سَأُعَاقِبُهُ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ ].
فأين عقاب الله لأهل بيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟!
كل زوجاته عِشْنَ بعده عليه الصلاة والسلام معززاتٍ مُكَرَّمَاتٍ غيرَ مهينات. وكل الصحابة كانوا يتعلمون معهم تَعَامُلَ الابن المبجل لأمه بقوله تعالى: { النَّبِيُّ أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أَمَّهَاتُهُمْ }.
بل حتى حينما وقعت معركة الجمل وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها للإصلاح بين المسلمين ، أعادها عليُّ بن أبي طالب إلى بيتها معززة مكرمة.
والحمد لله رب العالمين ،،،،