قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
مسند الربيع بن حبيب في ميزان البحث العلمي
براءة جابر بن زيد من الأباضية – حلقة (2)!
الحمد لله والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومَنْ وَالَاهُ، وبعد:
فهذا هو الجزء الثاني من دِرَاسَةٍ كتبتُها من واقِعِ ملاحظاتي وقراءتي في مُسْنَدِ الربيع بن الحبيب الفراهيدي الذي تعتبره الإباضيةُ أَهَمَّ كُتُبِ الحَدِيث النبوي!!
وسبب هذه الدراسة أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قال: [لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ].([1])
وقال عليه الصلاة والسلام: [مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ].([2])
وهذا حديث في منتهى الخطورة، إذْ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جعل الْـمُتَقَوِّلَ عليه ما لم يَقُلْهُ في النار، لأنه في الحقيقة كَاذِبٌ على الله، لِأَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبلِّغُ عن الله، وكلامُه وأفعالُه وإقرارُه تشريع للعباد، والكاذِبُ عليه كاذِبٌ على الله في الحقيقة!
قال الحافظ ابن حجر الْعَسْقلاني:
[ تَقْوِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ يَقْتَضِي الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِيجَابِ أَوِ النَّدْبِ، وَكَذَا مُقَابِلُهُمَا وَهُوَ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ ].([3])
فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخطر الأمور، ولهذا فإنَّ صيانةَ كلامِهِ صلى الله عليه وسلم عن الكذب والوضع من أخص العِبَادَاتِ وأفضل القربات إلى الله سبحانه.
وَبِنَاءً على ما سبق قررتُ عملَ دراسةٍ مختصرةٍ حول هذا الكتاب من خلال رُوَاتِهِ، وما قيل في هؤلاء الرواة سواء كانوا من الصحابة أو التابعين أو مَن جاء بعدهم، وما قاله بعضُ هؤلاءِ الرواةِ أنفسهم في الأباضية أو في أَسْلَافِهِم من أهل النهروان بشكلٍ عامٍ.
ذكرت في الحلقة الأولى أَنَّ مُؤَلِّفَ كِتَابِ ” الإباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقالات ” حاول تضعيفَ الرواياتِ التي تؤكِّد براءة الإمام جَابِرَ بْنَ زَيد من الأباضية، ضَارِبًا بالقواعد المنهجية العلمية المعروفة عرضَ الحائط!!
فيقول:
.
فقام الأباضيُّ بإنكار الرواية ورآها غيرَ صالحةٍ للدلالة بسبب عارم بن الفضل ولأنَّ جابرًا لم يذكر الأباضيةَ فيها!!
فهل يعرف الأباضيُّ قومًا نُسِبَتْ البراءةُ لجابر بن زيد منهم إِلَّا الأباضية؟!
سبحان الله!!
ويبدو أنَّ الأباضيَّ لم يقرأ الروايةَ جيدًا قبل أن ينكرها!
فالكلام ليس على لِسان جابر بن زيد رحمه الله أَصْلًا، وإنما هذا وصفُ التابعي الجليل الإمام محمدِ بنِ سيرينَ لجابر رحمهما الله!
فالمتكلم في هذه الرواية هو الإمام محمد بن سيرين، يقول وَاصِفًا حالَ جابر إِنَّه كان بريئًا مما يقولون.
وهذا يوضح أَنَّ الأباضية زعمت نسبتها إلى جابر بن زيد في زمان التابعين، فَأَسْرَع جابر بتبرئة نفسه من نسبتهم إليه – كما في الرواية الأولى – ، وقام الذين يعرفون جابر بن زيد كمحمد بن سيرين وغيره بنفي هذه الفرية عنه كما في هذه الرواية وغيرها !
ثم إن براءة جابر من الأباضية ثابتةٌ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ صحيحٍ منه كما تقدم في البحث الأول، فما وجه إنكار هذه الرواية على عارِم وكأنَّها مما اختلط فيه عارم؟!
بل الصحيح أن هذه الرواية مما لم يختلط فيه عارم!
والمدهش أن الأباضي علي الحجري نقل لنا كلامَ ابنِ حِبَّان عن عَارِم، ولم ينقل لنا – كعادته – إنكار العلماء على ابن حبان في كلامه عن عارم بن الفضل السدوسي!!
وسنرتب الكلامَ في هذا الموضوع إلى عِدَّةِ نِقَاط:
أولا:
هذه الرواية مما حَدَّثَ به عارِمٌ قبل اختلاطه، لأنَّ عَارِمَ بن الفضل لم يُحَدِّثْ بعد اختلاطِهِ إلا حديثا واحدًا، وسيأتي ذكره بعد قليل.
قال الذهبيُّ:
[ محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي الحافظ عارم .. تَغَيَّرَ قَبْل موته فمـا حَدَّثَ ].([4])
فإذا كان عارِمُ بن الْفَضْلِ لم يُحَدِّثْ بعد اختلاطِهِ فاحْتجاجُ الأباضيِّ باختلاطِ عارِم على ضَعْفِ الرواية ورفضِها ليس له مَحلٌّ من الإعراب هاهنا، لأن الرواية كانت قبل اختلاطه!
ثانيا:
عَارِم لم يظهرْ له حديثٌ واحدٌ منكرٌ بعد اختلاطِهِ، لأنه تَوَقَّفَ عن التحديث كما بَيَّنَّا!
قال الإمامُ الذهبيُّ:
[وقال الدارقطني: تغير بِأَخَرَةٍ، وما ظهر له بعد اختلاطِهِ حَدِيثٌ مُنْكَر ، وهو ثِقَةٌ ! ].([5])
ثم وَبَّخَ الذهبيُّ ابنَ حِبَّانَ توبيخًا شديدًا على قوله في عارم، فقال بعد ذِكْرِ كلامِ الدارقطني:
[ فهذا قولُ حافِظِ العَصْرِ (الدارقطني) الذي لم يَأْتِ بعد النَّسَائِيِّ مثلُه ، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخَسَّافِ المتهور في عارم ، فقال: اختلط في آخر عُمُرِهِ وَتَغَيَّرَ حَتَّى كَانَ لا يَدْرِي ما يُحَدِّثُ بِهِ، فوقع في حديثه المناكيرُ الكثيرة ، فيجب التَّنَكُّبُ عن حديثه فيما رَوَاهُ المتأخرون، فإذا لم يُعْلَمْ هذا مِنْ هَذَا تُرِكَ الْكُلُّ، ولا يُحْتَجُّ بِشَيءٍ منها !
قال الذهبيُّ:
[ ولم يقدِر ابنُ حِبَّانَ أن يسوقَ له حديثًا منكرًا، فأين ما زَعَمَ ؟! ].([6])
قلت (أبو عمر) :
قال الذَّهَبِيُّ في السير: [بَلَى، لَهُ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تمرَةٍ”، وَقَدْ كَانَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ قَبْلُ عَنِ الحَسَنِ، بَدَلَ أَنَسٍ، مُرْسَلاً، وَهُوَ أَشبَهُ ، وَكَذَا رَوَاهُ عَفَّانُ وَغَيْرُهُ، عَنْ حَمَّادٍ ].([7])
فأخطأ عارم في رواية الحديث عن أنس، رغم أنه رواه قَبْلًا عن الحسن البصري مُرْسَلًا!
لكنَّ الأباضيَّ لم يذكر لنا هذا الكلامَ لأنه لا يخدم هدفَه ومرادَه، بل ذكر لنا قولَ ابن حبان فقط، ولم يذكر رَدَّ الذهبي عليه!
ونحن لَيس لدينا مشكلةٌ مع كلام ابن حبان – بخصوص رواية براءة جابر من الأباضية – كما سيأتي بيانه أيضًا إن شاء الله!
المضحك أنَّ الأباضيَّ في أَوَّلِ كِتابِهِ ذَكَرَ لنا قولَ شَيخِهِ مفتي الأباضية أحمد الخليلي يقول فيه:
[ وَإِنَّ مَنْ يُمْعِن نظرَه في التراث الأباضي الفكري – متجردًا من العوامل النفسية والمؤثرات الوراثية – يدرك كلَّ الإدراكِ أَنَّ الأباضيةَ أكثر فئات هذه الأمة اعتدالًا، وأسلمها فكرًا، وأقومها طريقًا، وأصحها نظرًا، وأصفاها موردًا ومصدرًا].([8])
قلت: هذا غير واضح في فعل الأباضيِّ الحجري وجميع دعاة الأباضية السابقين واللاحقين!!
فهؤلاء القوم لا يستحون من أنفسهم؟! يدلسون ويقتطعون ويزورون الحقائق، ثم يقولون بمنتهى البساطة إنهم أهلُ اعتدالٍ وسلامةٍ في الفِكْرِ واستقامةٍ في الطريق ونظرٍ وصفاءٍ!!
ثالثًا:
ابنُ سَعْدٍ سَمِعَ من عارِم قبل اخْتِلَاطِهِ:
يدل على ذلك أن الأئمة صَرَّحُوا أنَّ عارمًا لم يُحَدِّثْ بعد اختلاطِهِ كما ذكرتُ سابقًا، وجَدِيرٌ بالذِّكْرِ أَنْ أُنَوِّهَ أن عارم متوفَّى 224 هجرية، وابنُ سَعْدٍ متوفَّى 230 هجرية. أي بَعْدَ وفاةِ عارم بـ 6 سنين. فهما متقاربانِ في الطبقة، والإمام البخاري الذي سمع من عارم قبل اختِلاطه مُتَوَفَّى عام 256 هجرية، أي بعد وفاة عارم بـ 32 عامًا ! ، فإذا كان البخاريُّ قد مات بعد وفاة عارم بـ 32 عامًا مع ثبوت سَمَاعِهِ من عَارِم قبل اختِلاطِهِ، فمن باب أَوْلَى أَنَّ ابنَ سعد – الذي مات بعد عارم بـ 6 سنين – يكون سماعه من عارم قبل اختلاطه !
قال الحافظ ابن حجر الْعَسْقَلَانيُّ:
[ إِنَّمَـا سَمِعَ مِنْهُ البُخَارِيُّ سنة ثَلَاث عشرَة ، قبل اخْتِلَاطِه بِمدَّة ].([9])
فالإمامُ البخاريُّ رحمه الله سَمِعَ من عارِم قَبْلَ وفاته بـ 11 عَامًا، فالْبُخَارِيُّ – كما قلنا – تُوُفِّيَ عام 256، ومع ذلك كان سماع البخاري منه قبل الاختلاط.
قالَ الحَافِظُ السَّخَاوِيُّ:
[ قال أبو حاتِمٍ الرَّازِيُّ: اختَلَطَ عارِم في آخرِ عمرِهِ ، وزالَ عقلُهُ ، فمنْ سَمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ فَسماعُهُ صحيحٌ، قالَ: وكتبْتُ عنهُ قبلَ الاخْتِلَاطِ سنةَ أربعَ عشرةَ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِينَ فَسَمَاعُهُ جَيِّدٌ ].([10])
والرَّازِيُّ تُوُفِّيَ عام 277، أي بعد وفاة عارِم بـ 53 عامًا، وسَمَـاعُ أبي حاتمٍ الرازيِّ من عارِم كان قبل اختلاطِهِ، فمن باب أولى أن يكون ابنُ سعد – المتوفى عام 230 – سمعه قبل اختلاطه!
قال الحافظ زين الدين العراقي:
[عارم محمد بن الفضل أبو النعمان اختلط بآخرة، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا عَنْهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ].([11])
إذًا فمحمد الذُّهْلِيُّ تُوُفِّيَ عام 258، أي بعد وفاة عارِم بـ 34 عامًا، وسَمَـاعُ الذُّهْلِيِّ من عارِم كان قبل اختلاطِهِ، فمن باب أولى أن يكون ابنُ سَعْدٍ المُتَوَفَّى عام 230 قد سمع منه قبل اختلاطه!
الْـخُلَاصَة: أن كِبَارَ الْـحُفَّاظِ الذين تُوُفُّوا بعد وفاة ابن سَعْد بعشرات السنين سَمِعُوا من عَارِمٍ قبل اختلاطِهِ، فمن باب أولى أَنْ يكونَ ابنُ سعد – الذي مات قبلهم بعشرات السنين – قَدْ سَمِعَ مِنْ عَارِمٍ قبل اختلاطِهِ، لأنه تُوُفِّيَ بعد عارم بـ 6 سنواتٍ فقط.
رابعًا:
يدلُّ على صِحَّةِ روايَةِ عَارِم في براءةَ جابر بن زيد من فرقة الأباضية أَنَّ بقية الرواياتِ الصحيحة في نفس هذا المعنى أَكَّدَتْ براءةَ جابر بن زيد من فِرْقَةِ الأباضية، فلو سَلَّمْنَا جَدَلًا باختلاط عَارِم؛ فاختلاطُه لا ينطبق على هذه الرواية، بل هذه الرواية من صحيح حديثه الذي وافقَ فيه الثقاتِ، إِذْ لم يتفرد عارِمٌ بالرواية، فكيف يُحْتَجُّ على ضَعْفِ هذه الروايةِ بِاخْتِلَاطِهِ؟!
خامسًا:
سؤال للأباضية: إذا كان عارِم بن الفَضْلِ مَطْعونًا عليه وضعيفًا كَمَـا يحاول الأباضيُّ عليّ الحَجَرِيُّ أن يُشَوِّشَ عليه؛ فلماذا تستدلون بروايات عارِمٍ في فَضَائِلِ جابر بن زيد في كتبكم؟!
لماذا احتوت كُتُبُكُمْ على رواياتِ عارم التي فيها ثناءُ علماءِ التابعين على جابر بن زيد؟!
يقول الأباضي بدر السعيدي في بحث تخرجه بعنوان: وصل مراسيل الإمام جابر بن زيد في مسند الربيع بن حبيب، المبحث الثالث: عدالته وتوثيقه:
[اشتهر الإمام جابر بن زيد بالعلم والورع والعدل مما جعل الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم يثنون عليه، وكذلك ممن أتى بعدهم، وسأنقل في هذا المبحث بعض ما قيل عنه: قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل قال: ” حدثنا حماد بن زيد عن خالد ابن فضاء عن إياس قال: [أدركتُ البصرةَ ومفتيهم رجل من أهل عمان؛ جابر بن زيد].([12])
وليلاحظ القارئُ الكريم أن هذه الروايات أيضًا من رواية ابن سعد عن عارم!!
كذلك استدلَّ الْأَباضِيُّ إبراهيم بن علي بولرواح صاحبُ موسوعة آثار الإمام جابر بن زيد الفقهية، بكثير من روايات عارم بن الفضل في الثناء على جابر بن زيد ومَدْحِهِ، فقال:
قال يحيى بن سعيد القطان: أخبرنا عارِمُ بنُ الفضل قال حدثنا حماد بن زيد عن خالد بن فضاء عن إياس قال : أدركتُ البصرةَ ومفتيهم رجلٌ من أهل عمان جابر بن زيد].([13])
وذكر هذه الرواية نَقْلًا عن الطبقات الكبرى لابن سعد، وليس فيها ذكر يحيى بن سعيد القطان. فقال:
[أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ فَضَاءٍ عَنْ إِيَاسَ قَالَ: أَدْرَكْتُ الْبَصْرَةَ وَمُفْتِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أهل عُمَانَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ].([14])
فالرواية في الطبقات من رواية عارم بن الفَضْلِ السدوسي أيضًا!
فما هو الضابط عند هؤلاء القوم؟! لماذا استدلوا برواية عارم بن الفَضْلِ إذا كانوا يُضَعِّفُونَهُ؟!
ولماذا ضَعَّفُوا روايته إذا كانوا يوثقونه؟!! هذا هو اتِّبَاعُ الهوى في أسوء صوره وأقبح مراحله!!
يقول الأَباضيُّ علي الحجري في مقدمة كتابه:
[لهذا فلا بد للجميع أن يحتكموا إلى الحق الذي يعترف بسلطانه كُلُّ مُسْلِمٍ في إثباتِ ما هو ثابتٌ بالدليلِ القاطعِ، وإبطالِ ما هو باطلٌ بالحجة الواضحة البينة].([15])
فأين الاحتكام إلى الحق الذي يعترف بسلطانه كُلُّ مُسْلِمٍ في تضعيفِكَ لروايةٍ صحيحةٍ ثابتةٍ؟!
وأين استدلالك بما هو ثابتٌ بالدليل القاطع، وأين الحُجَجُ الواضحةُ البينة هنا؟!!!!
ما هذا التزوير والتلبيس والتدليس؟!
ثم كيف تَدَّعُون مَحَبَّتَكُم لجابر بن زيد وأنتم تُكَذِّبُون الصحيحَ الثابتَ من آثَارِهِ وَأَقْوَالِهِ؟!
سادسًا: نذكر شيئًا من أقوال علماء الجرح والتعديل في عارِم بن الفضل:
قال الإمامُ الذهبيُّ:
[ عَارِمٌ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ السَّدُوْسِيُّ البَصْرِيُّ الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ ].([16])
وقَالَ ابْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ الصَّدُوْقُ المَأْمُوْنُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِذَا حَدَّثَكَ عَارمٌ فَاخْتِمْ عَلَيْهِ، عَارمٌ لاَ يتَأَخَّرُ عَنْ عَفَّانَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ يُقَدِّمُ عَارماً عَلَى نَفْسِهِ إِذَا خَالَفَهُ فِي شَيْءٍ، وَيرجعُ إِلَى مَا يَقُوْلُ عَارمٌ، وَهُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، بَعْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ: عَارمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ عَارمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ ].([17])
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ: فَمَنْ سَمِعَ مِنْ عَارِمٍ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ أَحَدُ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ].([18])
سابعًا: المتكلم في الرواية هو محمد بن سيرين، ولسنا في حاجة للكلام عن توثيقه، فمجرد ذِكْرِ اسْمِهِ كافٍ عند أهل العلم والفهم، فهو إمام سيد من أئمة وسادات التابعين!
الخلاصة: أَنَّ عَارِمَ بنَ الفَضْل ثِقَةٌ، ولكن اختلطَ في آخر عمره، فلم يُحَدِّثْ، ولم يظهر له حديث منكر إلا ما أشرنا إليه سابقًا. ولو افترضنا أن ابن سعد سمع منه بعد اختلاطه؛ فرواية براءة جابر بن زيد من الأباضية ليست مما اختلط فيه عارم، لأنه وافق غيره من الحفاظ والثقات.
فأقل ما يُوصَف فِعْلُ الأباضي علي الحجري به أنه جناية شرعية وسوأة فكرية وخيانة علمية وجريمة أخلاقية في حق الدين والعلم والتاريخ أَوَّلًا، ثم في حق جابر بن زيد، ثم في حق قُرَّائِهِ مِنَ الْأَبَاضِيَّةِ!!
ولا يفوتني أن أقول إني لم أَجِدْ أَحَدًا من الأباضية رَدَّ عليه وَبَيَّنَ له خطأه إلى الآن، فكأنَّ القَومَ لم يعلموا ماذا يفعل صَاحِبُهُم ولم ينتبهوا لتزويره وتدليسه ، أو أنهم عرفوا واستمرئُوا وسكتوا!
والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل !
………………
إلى دَيَّانِ يَومِ الدِّينِ نَمْضِي ** وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الخُصُوم
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
صباح الثلاثاء يوم في الثامن من ربيع الآخر لعام 1439 هجرياً
الموافق 26 من ديسمبر لعام 1017 ميلادياً
([8]) الإباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقالات عليّ الحجري ص5، ط مكتبة الجيل الواعد – مَسْقَط – سلطنة عمان.
([12]) المؤلف بدر بن خميس بن راشد السعيدي ص11، معهد العلوم الشرعية – وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – سلطنة عمان.
([15]) الإباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقالات عليّ الحجري ص19، ط مكتبة الجيل الواعد – مَسْقَط – سلطنة عمان.
([18]) الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 122)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك اخي أبو عمر على جهودك المبدولة تجاه كشف الشبهات المتارة حول هذا الدين العظيم
سلمت أناملك وبورك في سعيك …
فلقد كفيت ووفيت …
كان بودي اسألك أخي ما ذا حصل لقناتك علي اليوتيوب ؟
لك فترة لا تنشر فيها فيديوهات ،، قرأت الحلقة الأولي والثانية في ردك على الحجري ، فأصبت تولي الله جزاءك ..
فلو حولت المادة هذه وعرض المحتوي في مقاطع فيديوهات لكان أحسن وأفضل ..
يسر الله أمرك وجزاك الله خيرا على ما تقوم به