الرد على الأباضي: موقف الأباضية من الصحابة ج1

قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث

الردود العلمية على افتراءات طائفة الإباضية

 

الرد على مقطع: رسالة سريعة لأبي عمر الباحث موقف الأباضية من الصحابة! ج1

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومن والاه، وبعد:

 فهذا رد علمي على مقطع فيديو لأحد الأباضية حاول فيه أن يرد على ما ذكرته في حلقة موقف علماء الأباضية من الصحابة، وكنت أرد فيه على نائب مفتي الأباضية ” كهلان الخروصي”.

والحقيقة أن كلام المتكلِّم في المقطع جاءَ مُخَيِّبًا لِآمالِ الأباضية الذين اتهموني أني أفتري على الأباضية وأني زعمتُ أن علماءهم يسبون الصحابة ويتبرؤون منهم ، فإذا بالمتكلم في المقطع يثبت ما قلته، ويثبتُ ما قاله علماؤه كما سنرى في هذه الحلقة.

وربما تطول هذه الحلقة قليلا فسامحوني ، فالمقطع الذي أرد عليه 45 دقيقة ، وأنا قررتُ تفنيدَ كُلِّ كلمةٍ قالها الأباضي في هذا المقطع بحول الله وقوته.

في البداية عاتبني الأخُ المتكلِّمُ في الفيديو وقال لي:

[لماذا تركتَ الرد على النصارى وحوَّلتَ حربك على الإسلام والمسلمين؟! ].

أولًا: أنت لا تحسن اختيار كلماتك، فلعنة الله عليَّ في الدنيا والآخرة إِنْ كنتُ أحارب الإسلامَ، وأما الرد على أهل البدع، والذب عن الصحابة مما ينسبه المبتدعة إليهم فهذا وَاجِبٌ شرعيٌّ، وشرف أدعيه وأفتخر به في الدنيا والآخرة. وأيُّ شَرَفٍ أعظمُ من الذَّب عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والدفاع عنهم وإظهار بَرَاءَتِهِم من افتراءات أهل البدع؟!

ولَعَلَّ الأخ يَعلم أني حينما أنشأتُ قناتي إنما أنشأتها خِصِّيصًا للرد على النصارى، وحينما انشغلتُ أنا وإخواني الدعاة والباحثون بالرد على النصارى كـ زكريا بطرس وغيره ؛ كان أَهْلُ الْبِدَعِ المخالفون لمنهج أهل السنة يطعنوننا في ظهورنا، ويطعنون في منهجنا وفي صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام ، مثل الشيعة والأباضية وعدنان إبراهيم ومثل شيخِك أحمد الخليلي الذي استغلَّ فرصةَ انشغالِ الدعاةِ والباحثين بالرد على النصارى، وقام بالهجوم على منهج أهلِ السُّنَّةِ والجماعة والطعنِ فيه، وَأخذ يصِف عقائِدَ أهل السنة والجماعة – التي هي عقائد دين الإسلام الصحيح كما أنزله الله – بأنها عقائد يهودية وأنها عقائد المشركين!!

كما جاء في كتابه “الحق الدامغ ” ص95 ، حيث قال إِنَّ القائلين برؤية المؤمنين ربَّهم يومَ القيامة متأثرون بعقائد اليهود والمشركين!! فقال:

[لا أظنك أيها القارئ الكريم تشك في أن نُفَاتها ( يقصد نفاة رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة) لم يأخذوا إلا بالأقوى والأسلم والأحزم، فإن ذلك واضح بوضوح حججهم، وسلامة قولهم من التأثر بالذين سألوا الرؤية من اليهود والمشركين].(1) أهـ

مع أن الذي قال بأننا سنرى ربنا يوم القيامة هو الله رَبُّ العالمين جَلَّ جَلَالُهُ في آيةٍ صريحةٍ وَاضِحةٍ مُحكَمَةٍ، فقال سبحانه: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }.(2)

والقول برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة متواترٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم بصريح القول:

[إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا ].(3)

ورواه مُسْلِمٌ بلفظ: [أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ].(4)

  قال الحافظ الذهبي:

[وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللهِ عِيَاناً فِي الآخِرَةِ: فَأَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوْصُ].(5) 

قال الحافِظُ ابنُ حَجَر الْعَسْقَلَانِيُّ:

 [وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ النَّبَوِيَّةُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ وَبِإِكْرَامِهِمْ بِهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهَا فَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ].(6) 

 والقول برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة هو إجماعُ كُلِّ الصحابة رضي الله عنهم بلا مخالف. 

  قال الْعَلَّامَةُ النوويُّ:

 [وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسُّنَّةِ وإجماع الصحابة فَمَنْ بَعْدَهُمْ من سَلَفِ الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نَحْوٌ من عشرين صَحَابيًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].(7)  

وأما اللغة العربية فالنظر إذا تَعَدَّى فيها بـ إلى فلا يَعْرِف العَرَبُ منه إلا الرؤية العينية.

ركز معي جيدًا ؛ النظر إذا تَعَدَّى في اللغة العربية بـ إلى فلا يعرف العرب منه إلا الرؤية العينية.

 قال الْعَلَّامَةُ ابنُ مَنْظُور:

 [وَمَنْ قال إِنَّ معنى “إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ” يعني منتظرة فقد أَخطأَ، لأَنَّ العَرَبَ لا تقول نَظَرْتُ إِلى الشيء بمعنى انتظرتُه، إِنما تقول نَظَرْتُ فلانًا: أَي انتظرته.. وإِذا قلتَ: نَظَرْتُ إِليه لم يكن إِلا بالعين].(8)

ومع ذلك قال الخليليُّ إِنَّ عقائدنا النابعة من الكتاب والسنة الصحيحة عقائد يهودية وشِرْكِيَّة !!

ويقول مفتي الأباضية في نفس الكتاب:

[وبهذا تعلم أخي القارئ أَنَّ القول بتحوُّلِ الفُجَّار مِن العَذَاب إلى الثواب ما هو إلا أَثَر من آثار

الغزو اليهودي للفكر الإسلامي].(9) أهـ

مع أَنَّ الذي قال إِنَّ عُصَاةَ المسلمين سيخرجون من النار هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم!!

فقال في حديث الشفاعة المشهور:

[ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ].(10)  وبهذا لا يستوي المسلمون والكافرون، لقول رب العالمين جل جلاله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.(11)  

فإذا كان عُصاةُ المسلمين سَيُخَلَّدون في نار جهنم مثل الكافرين فما فائدةُ إِسْلَامِهِمْ إذًا ؟!

هل يساوي اللهُ سبحانه وتعالى من قال سبحان ربي الأعلى بمن قال أنا ربكم الأعلى ؟! 

وهذا دليل واضح من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنَ}، فعن صَالِحُ بْنُ أَبِي طَرِيفٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنَ} [الحجر: 2]؟ فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ:  «يُخْرِجُ اللَّهُ أُنَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ، قَالَ: لَمَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَلَيْسَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ فَمَا لَكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ، فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَتَشَفَّعُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمَّا أُخْرِجُوا، قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مَثَلَهُمْ، فَتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ، فَنُخْرَجُ مِنَ النَّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنِ} [الحجر: 2]، قَالَ: فَيُسَمَّوْنَ فِي الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الِاسْمَ، قَالَ:

فَيَأْمُرُهُمْ فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ مِنْهُمْ].(12)

والخلاصة أَنَّ الخليليَّ وَصَفَ عَقَائِدَنَا المبنية على الكتاب والسنة الصحيحة بأنها عقائد يهودية !

ولا أريد الإطالة في هذه النقطة، فهي نقطة فرعية، ولكني وجدتُ من المناسب أنْ أذكرَ شَيْئًا من الرَّدِّ على افتراءاتِ الخليلي على عقيدة أَهْلِ السنة لِيَكُونَ القارئ الكريم على بينة من أمره.

ثم نقول: أين ردود الأباضية على النصارى والرافضة والملاحدة الذين يطعنون في الإسلام ؟!

ثم لماذا لا يتحرك الأباضية إلا حينما يمس الأمر عقائد الأباضية فقط ؟! أليست هذه هي الطائفية والمذهبية التي تنسبونها إلينا؟! لماذا لا تتكلمون إلا حينما يمس الأمر أحد شيوخكم ؟!

هل شيوخكم أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تدافعوا ولا تدافعون عنه ؟!

هل ستقول لي إن أعداء الإسلام يستدلون من كتب أهل السنة، فأهل السنة هم المعنيون بالرد.

لو قلت ذلك فبهذا يثبت أنكم طائفيون بامتياز، وَأَنَّ الدفاعَ عندكم لا يكون عن الإسلام العظيم، وإنما عن مذهبكم وفِكْرِكُمْ فقط.

فلماذا لم يَرُدَّ شَيخُهم ومفتيهم أحمد الخليلي على النصارى والروافض كما يفعل أهل السنة والجماعة؟! أليس هذا كان أولى به من وصف عقائد الإسلام الصحيح باليهودية والشِّرْكِيَّة؟!

إذًا وبناءً على ما سبق فقد عرف القارئ الكريم الآنَ سببَ تحويلِ أبي عمر الباحث دَفَّةَ قناته لِلرَّدِّ على أهل البدع، أو بمعنى أدق إضافته الرَّدَّ على المبتدعة بجوار رَدِّه على النصارى والملاحدة.

نعود لِصاحِبِ المقطع هدانا الله وإياه للحق والصدق.

أثبت المتكلم في المقطع أن كلامي في حلقتي عن عقيدة الأباضية  صحيح من عدة أوجه:

الوجه الأول:

أنه لم يَنْفِ ما نقلتُه من كُتُبِ الأباضية المعتمدة لعلماء مذهبهم، بل اعترف بِصِحَّةِ نقلي.

الوجه الثاني:

أنه طعن في حديث الْعَشَرَة المبشرين بالجنة، رغم أنه حديث صحيح ثابت عند جميع المحدثين. وقد استدلَّ به الأباضية حينما حاولوا الرد عليَّ من قبل، لأنَّ فيه روايةً عن المغيرة بن شُعْبَةَ وهو ينال من عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَرَدَّ عليه سعيد بن زيد.

الوجه الثالث:

أنه حَرَّفَ معنى الحديث وزعم أَنَّ معناه مَنْ ثَبَتَ منهم على ما كان عليه أيامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. مُتَجَاهِلًا أَنَّ اللهَ بَشَّرَهُمْ بهذه الْبُشْرَى لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنهم سَيَظَلُّونَ مُتَّبِعِينَ لِنَبِيِّهم عليه الصلاة والسلام حتى مماتهم، فأراد الأباضي نَفْيَ هذه الفضيلة عنهم بأي وسيلة!!

واستدلَّ الأباضيُّ على زعمه هذا بحديث عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: فَقَالَ يَا أُمَّهْ، قَدْ خِفْتُ أَنْ يُهْلِكَنِي كَثْرَةُ مَالِي، أَنَا أَكْثَرُ قُرَيْشٍ مَالًا، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، فَأَنْفِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ ” فَخَرَجَ فَلَقِيَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: بِاللهِ مِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: لَا، وَلَنْ أُبْلِيَ أَحَدًا بَعْدَكَ].(13)

 وقام الأباضيُّ بتنزيل هذا الحديث على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وَزَعَمَ أَنَّ حديثَ العشرة المبشرين بالجنة لا ينطبق عليهم إلا بشرط الاتباع والاقتداء حتى وفاتهم!!

وهذا الشرط في غير موضعه، لِأَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقينًا يعلم أَنَّ هؤلاءِ الصحابةَ الذين بَشَّرَهُم النبيُّ بالجنة هم بالفعل مُتَّبِعُون لنبيهم عليه الصلاة والسلام مقتدون به ويعلم سبحانه وتعالى أنهم سيظلون على ذلك و سيموتون عليه، ولهذا جاءتهم هذه الْبُشْرَى.

والكُلُّ يعلم أَنَّ هؤلاءِ ساروا على هَدْيِ نبيهم عليه الصلاة والسلام فلم يُغيِّروا ولم يبدلوا !!

فالحديث الذي استدلَّ به الأباضيُّ لا ينطبق على الصحابة المبشرين بالجنة. وهذا الاستدلال

الغريب من جنس استدلالات الرافضة بحديث الحوض لنفي عدالة الصحابة والطعن فيهم!!

وتنزيل الأباضي هذا الحديث على الصحابة رضي الله عنهم دليل واضح على طعنه فيهم، فأين التدليس في كلامي إذًا؟! ولماذا خرج ليرد علي وهو يثبت صحة نقلي لكلام علمائهم؟!!

وقوله عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ] ليس بالضرورة أن

يكون معناه الصحابة الْـمَرْضِيَّ عنهم، بل يدخل بداهةً في هذا المعنى المرتدون الذين ارتدوا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، والمنافقون كذلك.

ويفسره قوله عليه الصلاة والسلام: [وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي، فَيَقُولُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ..].(14)

  قال الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدين الْعَيْنِيُّ:

[وَهَذَا لَا يُقَال للْمُسلمين، فَإِن شَفَاعَته للمذنبين. فَإِن قلتَ: كَيفَ خَفِي عَلَيْهِ حَالهم مَعَ إخْبَاره بِعرْض أمته عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: لَيْسُوا من أمته، وَإِنَّمَا يعرض عَلَيْهِ أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُرْتَدين وَالْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يَكُونُوا منافقين أَو مرتكبي الْكَبَائِر من أمته، قَالَ: وَلم يرْتَد أحد من أمته، وَلذَلِك قَالَ: على أَعْقَابهم، لِأَن الَّذِي يعقل من قَوْله: الْمُرْتَدين الْكفَّار إِذا أطلق من غير تَقْيِيد، وَقيل: هم قومٌ من جُفَاة الْعَرَب دخلُوا فِي الْإِسْلَام أَيَّام حَيَاته رَغْبَة وَرَهْبَة.. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ المُنَافِقُونَ والمرتدون، وَقيل: المُرَاد من كَانَ فِي زَمَنه مُسلما ثمَّ ارْتَدَّ بعده، فيناديه لما كَانَ يعرفهُ فِي حَال حَيَاته من إسْلَامهمْ، فَيُقَال: ارْتَدُّوا بعْدك].(15)

وقوله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ] دالٌّ على أن الارتداد سيكون فور وفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا يؤكد على أَنَّ الحديث ليس عن الصحابة

رضي الله عنهم، وإنما عن المرتدين أو المنافقين أو عنهما مَعًا.

فانظر أخي القارئ الكريم كيف يُسْقِطُ الأباضيةُ أحاديثَ المرتدين والمنافقين على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيَسْلِبُوهُمْ فَضْلَهُمْ وَيَهْضِمُوهُمْ حَقَّهُم ويسقطوا مَنْزِلَتَهم!!

 ثم يقولون بمنتهى البساطة: الأباضية هُمْ أكثر طوائف الأمة الإسلامية إِجْلَالًا للصحابة!!!

ثم، هل الأباضية صاروا الآن يستدلون بمُسْنَد الإمام أحمد ؟!! ألم تطعنوا في المسند كله لكي تسقطوه ؟! أَلَمْ يَطعنْ شَيْخُكُم الأباضيُّ خالد الهاشمي في مسند أحمد، وقال:

[ أشهر الرواة الذين رووا مسند الإمام أحمد بن حنبل هو أبو بكر الْقَطِيعِيُّ، وأبو بكر القطيعي ذَكَرَ عنه الحافظُ الذهبيُّ نَقْلًا عن بعض أئمة الجرح والتعديل أنه سَيِّءُ الحِفْظِ، إذًا بناءً على ذلك فإن مسند الإمام أحمد بن حنبل لا يحتج به، لأن راويه سيء الحفظ، وهناك انقطاع بينه وبين الإمام أحمد بن حنبل].([16])

فانظر أخي المسلم كيف يطعنون في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لتشكيك المسلمين فيما نقله الإمام أحمد من سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم !!

وما قاله خالِد الهاشمي فيه تدليسٌ وَاضِحٌ، فالذهبيُّ نقل هذه الأقوال وَرَدَّ عليها!!

  قال الحافظ الذهبي:

[أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي صدوق في نفسه مقبول تغيَّر قَلِيلًا.

 قال الخطيب: لم نر أَحَدًا ترك الاحتجاجَ به، وقال الحاكم: ثِقَة مأمون، وقال أبو  عمرو بن الصلاح: اختلَّ في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقْرَأُ عليه، ذكره أبو الحسن بن الفرات.

 قلت (الذهبي) : فهذا القول غُلُوٌّ وَإِسْرَافٌ، وقد كان أبو بكر أَسْنَدَ أهلِ زمانه، مات في آخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة وله خمس وتسعون سنة. قال ابن أبي الفوارس: لم يكن في الحديث بذاك، له في بعض مسند أحمد أصول فيها نظر. وقال البرقاني: غرقت قطعة من كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك وَإِلَّا فهو ثقة، وكنتُ شديدَ التَّنْقِيرِ عنه حَتَّى تَبَيَّنَ عندي أنه صدوق لَا يُشَكُّ في سَمَاعه، قال وسمعت أنه مجاب الدعوة].(17) أهـ

فالأباضي خالد الهاشمي – على عادة شيخه أحمد الخليلي – نقل شيئًا من كلام الإمام الذهبي، وترك رَدَّ الإمامِ الذهبيِّ على هذا الكلام في نفس الصفحة!!

وأما بخصوص الانقطاع بين القَطِيعِيِّ وبين الإمام أحمد بن حنبل؛ فهو زَعْمٌ كَاذِبٌ من خالد الهاشمي هداه الله، فسماع أبي بكر القطيعي من عبد الله بن أحمد بن حنبل سَمَـاع صَحِيحٌ.

  قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

 [وقد سمع القطيعي من أبي مسلم الكَجِّيِّ، وَغيره ومن عبد الله بن أحمد مع المسند: الزهد الكبير وتفرد بهما].(18) أهـ

فأبو بكر القطيعي سَمِعَ مُسْنَدَ الإمام أحمد بن حنبل وكتابَ الزهد الكبير من ولده عبد الله.

وَنَبَّهَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ أَدَاءَ أبي بكر القطيعي للمسند كان قبل اختلاطه وَتَغَيُّرِهِ، فقال:

[قلتُ: كان سماعُ أبي عَلِيٍّ بن الْـمُذْهِبِ منه لمسند الإمام أحمد قبل اختلاطه، أفاده شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين].(19) أهـ

والحاصل أن الأباضية صاروا الآن يستدلون بمسند أحمد، مع أنهم في نفس الوقت يطعنون فيه!!

ثم سأفترض أن فَهْمَ الأباضي أبي الأيهم لرواية أمِّ سَلَمَةَ عليها السلام والرضوان صحيح، فهل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم خَالَفُوا سُنَّةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وغيَّرُوها وَبَدَّلُوهَا فلم يتبعوه ولم يقتدوا به بعد وفاته؟!

إن قال الأباضي نعم ، فقد أثبتَ الطعنَ في هؤلاء الصحابة العمالقة الأكابر رضي الله عنهم ووافق قوله قول علمائه، وإنْ قال لا؛ فما وجه استدلاله بحديث أُمِّ سَلَمَةَ أصلًا ؟!

ثم قال الأباضي [إِنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المبشرين بالجنة ؛ فهل عمر سيشك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم] ؟!

فأقول إن هذا الكلام دليل على أن القوم لا يعرفون شيئًا عن حياة الصحابة رضي الله عنهم وزهدهم وورعهم وتقواهم !! ففي صحيح البخاري يقول ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: [أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ].(20)

  قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

 [وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ النِّفَاقَ فِي الْأَعْمَالِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ مَا يَشُوبُهُ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِنْهُمْ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ].(21)

إِذًا فالصحابة المبشَّرُونَ بالجنة رضي الله عنهم كانوا يَعْلَمُونَ أنهم في الجَنَّةِ قَطْعًا، ومع ذلك كانوا يخافون على أنفسهم النفاق، فلا تعارض بين الأمرين. بل الخوف من النفاق من علامات الإيمان، فقال البُخَارِيُّ: [وَيُذْكَرُ عَنِ الحَسَنِ: ” مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلاَ أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ”].(22)

إذًا فعلامة المؤمن الخوف من النفاق. والصحابة كانوا يخافون منه مع علمهم بمنزلتِهِم في الجنة.

فحديث أم سلمة لا يدل من قريب ولا بعيد على هذا المعنى الذي قاله أبو الأيهم على الإطلاق!!

  قال زَيْنُ الدِّينِ الـمُنَاوِيُّ:

 [إنما بَشَّرَ الْعَشْرَةَ بكونهم فيها (أي الجنة) واقتصر عليهم مع أَنَّ عَامَّةَ أَصْحَابِهِ فِيهَا، ولم يُبَشِّرْهُمْ لِأَنَّ عَظَمَةَ اللهِ قَدْ مَلَأَتْ صُدُورَ أولئك وَصَفَتْ أَرْوَاحُهُمْ فَأَخَذَتْ بِقِسْطِهَا مِنْ صَفْوَةِ الأنبياء وَرَفَعَتْ عَنْ قُلُوبِهِم الحُجُبَ فلاحظوا الْعِزَّ والجَلَالَ، فَلَا تَضُرُّهُم الْبُشْرَى لموت شهواتهم وحياة قلوبهم بالله، وأما غيرهم فلمْ تَأْمَنْ نُفُوسُهُم فَكَتَمَ عنهم خَوفًا عليهم].(23)

ثم يقول الأباضيُّ بعد ذلك :

[ فعلى ذلك الفَهْمِ إما أنَّ الحديث لا يثبت أَصْلًا .. ]

وَمَنْ قال إِنَّ فهمك لحديث أي سلمة صحيح لكي نُسِقِطَ به حديثَ العشرة المبشرين بالجنة ؟!

ثم هل هناك مَنْ سبقك بتضعيف الحديث من علماء الحديث وجهابذته وأهلِ فَنِّهِ وَصَنْعَتِهِ؟!

أقول: إن حديث العشرة المبشرين بالجنة حديث صحيح، ولم يطعن في صحته عَالِمٌ مُحْتَرَم !!

  قال الْعَلَّامَة النووي:

[قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وعلي فِي الْجَنَّةِ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةَ].(24)

  قال زَيْنُ الدِّينِ الـمُنَاوِيُّ:

 [إسناده صحيح].(25)

إذًا هذا الحديث لم يطعن في صحته عالِمٌ واحِدٌ من عُلَمَـاء الحديث، بل نَصَّ على صحته غيرُ واحدٍ من الأئمة، ومع ذلك لم يَسْتَحِ الأباضيُّ أن يطعن في الحديث ويصفه بالمكذوب والموضوع!!

ثم لو تَنَزَّلْنَا وفرضنا جَدَلًا أنَّ هذا الحديث لا يصح ؛ فماذا أنت فَاعِلٌ في قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ] فحفرها عثمان وتركها للمسلمين يشربون منها ؟!(26)

وماذا أنت فاعِلٌ في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ لَهُ الْجَنَّةُ] فجهزه

عثمان رضي الله عنه؟! (27)

بل ثبت عنه عليه الصَّلَاةُ والسَّلَامُ أنه قال: [مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ. قالها مَرَّتَيْنِ].(28)

وحينما دخل النبي عليه الصَّلَاةُ والسلام بِئْرَ أَرِيس، ووقف أبو موسى الأشعري بَوَّابًا على باب

البِئْرِ، وجاء عثمان يطرق الباب ويستأذن للدخول؛ قال المصطفى عليه الصلاة والسلام لأبي موسى: [«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ»].(29)

ولن أتحدث عن بقية الصحابة المبشرين بالجنة، فإذا ما ثبتت الْبُشْرَى بهذا المعنى في حَقِّ عثمان رضي الله عنه فقد ثبتت لغيره  من الصحابة المبشرين أيضًا، فالسياق كله واحد، وضبط معاني أحاديث التبشير بالجنة في حق أحدهم ينسحب على جميع الـمُبَشَّرِينَ بها كذلك.

وإنما وَضَع الأباضيُّ هذا الشرط بَاطِلًا لِيَزْعُمَ بعد ذلك أنهم – أو بعضهم قد غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وانحرفوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم!! فهو طعن مبطن فيهم رضي الله عنهم.

  قال الأمير الصنعاني:

[كرر الإخبارَ عن كل فَرْدٍ بأنه في الجنة، ولم يكتف بالإخبار عن الجميع بلفظ واحد تنصيصًا على أن كل فرد محكوم له بالجنة وزيادة في بيان شرفهم رضي الله عنهم قال بعضهم والتفسير بالجنة لا يلزم منه الأمن من البعد عن كمال القرب، إنما اللازم الأمْنُ من النار على أَنَّ الْوَعْدَ لا يمنع الحيرة والدهشة والخوف ولهذا كانوا باكين خاشعين خائفين من سوء العاقبة ومن عذاب الآخرة].(30)

  وقال أيضًا:

[واعلم أن الإخبار بأنهم في الجنة، المراد: أنهم داخلون الجنة في أول الأمر من دون أن يصيبهم بعذاب، فلا يرد أن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة، وفيه فضيلة لهم ليست لغيرهم، إلا من شهد له صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك].(31)

فلو أننا قلنا بقول الأباضي لضحك مِنَّا الْعُقَلَاءُ، فالمعنى الذي قاله الأباضي مذكورٌ في كتاب الله على عموم المسلمين، كقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}. سورة النساء آية 124. فلو أننا فَسَّرْنَا حديث التبشير بالجنة بنفس تفسير الأباضي؛ فما هي الفضيلة المذكورة للصحابة في هذا الحديث حِينَئِذٍ؟!

وهذه رواية من مسند أحمد تنسف المعنى الباطل الذي زعمه الأباضي:

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55] ، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، فَتَفَقَّدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَأَجْهَرُ بِالْقَوْلِ حَبِطَ عَمَلِي، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَوْا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: ” لَا، بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِقَالَ أَنَسٌ: ” وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمّـَا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الِانْكِشَافِ، فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ

 حَتَّى قُتِلَ].(32)

فأنس بن مالك وبقية الصحابة معه فَهِمُوا من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ثَابِتُ بْنُ

قَيْسِ: [بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أنه داخِلُهَا لا محالة، وأعلنوا عن ذلك بقوله: [وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ] ولم يشترطوا الاتباع لأن هذا مَعلوم بداهةً لكل عاقل!

فَبُشْرَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدٍ بالجنة إنما هي عن وَحْيٍ من الله جَلَّ جلاله لنبيه عليه الصلاة والسلام، لأن الله يعلم أن هذا المُبَشَّر بالجنة سَيَظَلُّ ثَابِتًا على ما هو عليه حتى يموت.

والمضحك أن هذه القاعدة الباطِلة التي اخترعها الأباضي أبو الأيهم لم يعملْ بها أحدُ علماء الأباضية في كلامه حول الخوارج الذين يَعْتَبِرُونَهُمْ من الصحابة كحرقوص بن زهير السعدي!

فيقول إِمَامُ الأباضية نور الدين السالمي عن أهل النهروان:

وفيهمُ مَنْ شَهِدَ الرسولُ  **   ثَلَاثَ مَرَّاتٍ له يقولُ

أَوَّلُ مَنْ يدخل مِنْ ذا البابِ  **  فهو إلى الجنة والثوابِ

وفي الثلاث يدخلن حرقوصُ  **  نجل زهير وهو المخصوصُ

فهنا يشهد شيخ الأباضية نور الدين السالمي لحرقوص بن زهير بأنه ذاهب إلى الجنة والثواب.

ولا حاجة أن ننبه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بريءٌ من هذا الإفك براءةَ الذِّئْبِ من دماء يوسف عليه السلام! فإن هذا من الباطل الذي يُغْنِي بُطْلَانُهُ عن إِبْطَالِهِ، إِذْ لَا سَنَدَ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك مُطْلَقًا، وهذا من افتراءات الأباضية عليه صلى الله عليه وسلم.

وحرقوص بن زهير السعدي هذا كان على رأس الخوارج المارقين في معركة النهروان، وقضى عليه الصحابة والتابعون، ومات خَارِجِيًّا عَاصِيًا لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم ضرب أبو الأيهم مِثَالًا بأبي الْغَادِيَة الجُهَنِيِّ في محاولة يائسة للتملص من استدلالي بحديث المبشرين بالجنة على تخطئة مشايخه وعلمائه وبطلان أقوالهم، وزعم أنه من أهل بيعة الرضوان!

فما علاقة قصة أبي الغادية بحديث العشرة المبشرين بالجنة، وهل لمجرد أنك قلتَ إِنَّ أَبَا الْغَادِيَةِ من أهل بيعة الرضوان سيكون كذلك؟! أرجو أن تذكر لي رواية واحدة صحيحة تثبت ذلك!!

وإذا لم تجد رواية واحدة صحيحة تؤيد زعمك هذا فاعْلَمْ أنك محتاج لمراجعة إيمانك وعقيدتك وتصحيحها وَتَعَلُّمِهَا من جديد!

وطالما أنك لن تستطيع أن تثبت أن أبا الغادية “رِضْوَانِيٌّ” فكلٌّ كلامك ليس له قِيمَة علمية.

ولا تنقل لي كلامًا قاله فلان وعِلان: فمنهج أهل السنة يقرر أَنَّ قَوْلَ العالِم يُسْتَدَلُّ له من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة أو التاريخ الصحيح الثابت ، وليس يُستدل به مجرَّدًا.

وتذكر طلبي جيدًا: أريد رواية واحدة صحيحة تثبت أن أبا الغادية شهد  بيعة الرضوان!!

ثم يقول: [ أكثر من ذلك أصحاب بيعة الرضوان، الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الله تعالى أنهم وشهد الله تعالى أنه رضي عنهم، { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }، وممن بايع تحت الشجرة أبو الغادية الجهني، وتعلمون أنه في صفين هو من قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “قاتل عمار وسالبه في النار”. وهذا من أهل بيعة الرضوان، إذًا بيعة الرضوان هل هي مشروطة أم على إطلاقها؟!].

نعم بيعة الرضوان على إطلاقها كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام. وليست مشروطة بشيء، ولا يوجد صحابي واحد من أهل هذه البيعة ظهر أنه نكث عَهْدَه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلا عند الأباضية، فقال عليه الصلاة والسلام: [لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ].(33)

ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم }.

وحينما يقول الله جل جلاله : { فعلم ما في قلوبهم }. فهذا يعني أنه سبحانه وتعالى يعلم أنَّ هؤلاءِ لن يبدلوا ولن يغيروا، لِأَنَّ الرِّضَا عنهم جاء مقرونًا بعلم الله بما في قلوبهم.

ورواه مسلم الحديث في صحيحه بلفظ: [لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ

أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا].(34)

  قال الْعَلَّامَةُ النَّوَوِيُّ:

[قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدِيثِ حَاطِبٍ، وَإِنَّمَا قَالَ “إِنْ شَاءَ اللَّهُ” لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلشَّكِّ].(35)

ويدل على صِحَّةِ كلامي حديث حاطِبُ بن أبي بَلْتَعَة رضي الله عنه، فقد فعل جريمة نكراء وأخبر المشركين بخطة النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما وصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالنفاق وأراد أن يقتله؛ منعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، وقال له: [إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ].(36)

فأهل بدر أيضًا ممن وجبتْ لهم الجنة، وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الأخطاء أو المعاصي – – كحاطب – إلا أَنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أصر على أن دخولهم الجنة أَمْرٌ حَتْمِيٌّ.

والمدهش أن شيخ الأباضية محمد بن يوسف أطفيش ذكر الرواية السابقة في سبب نزول الآيات الأولى من سورة الممتحنة!! وقال: [نزلت في حاطب بن عمرو أبي بلتعة].(37)

ثم قال أطفيش: [وفى قول عمر دليل على قتل الجاسوس إِذ لم ينهه – صلى الله عليه وسلم – إِلا لكونه من أهل بدر].

وهذا اعتراف واضح من شيخ الأباضية أطفيش – الملقب عندهم بقطب الأئمة ومفتي الأمة- بِأَنَّ شُهَودَ حاطب بن أبي بلتعة لغزوة بدر جعله مانعًا له من العقاب على الخيانة. وهذا أيضًا دليل واضح على صِحَّةِ فَهْمِنَا وتفسيرنا لحديث العشرة المبشرين بالجنة، وبطلان تفسير الأباضي!!

ثم قال الأباضي:

[الذين بايعوا بيعة الرضوان كثيرون، فإذًا لابد أن ننتبه لمثل هذا فالله سبحانه يقول: { إن الذين

يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه..}. هناك شرط إذًا، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى، إذا فهناك شرط التوفية {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا. لا أولئك الذين ينكثون بيعتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم].  

فأكرر نفس السؤال لك مرة أخرى: هل عثمان وعلي وطلحة والزبير ممن نكث بيعته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أمْ لا ؟!

فإن قلتَ نعم، فأنت تطعن فيهم كما فعل علماؤك السابقون، فما سبب اتهامك لي بالتدليس إذًا وإنْ قلتَ لا؛ فما وجه استدلالك بالآية في معرض الحديث عن الصحابة المبشرين بالجنة؟!!

ثم ما علاقة هذه الآية بموضوعنا ؟!

قوله تعالى: { فمن نكث فإنما ينكث على نفسه }. تحذير من نكث العهد، والعهد كان عَدَم الْفِرَار من المعركة لِظَنِّ الصحابةِ أَنَّ كُفَّار قريشٍ قتلوا عثمانَ رضي الله عنه ، وقد وَفُّوا جميعًا عَهْدَهُم.

وقوله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) }. جاء بعد قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}. بثمان آيات.

فالآية الثامنة عشرة تخبرنا عن رضا الله سبحانه وتعالى عنهم جميعًا لأنهم صادقون أوفياء، أي صدقوا جميعًا في بيعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والله يعلم ذلك من قلوبهم.

والأباضي أبو الأيهم بارك الله فيه جعل الآيتينِ عكس بعضهما ، فجعل الآية الْعَاشِرَةَ حَكَمًا على الآية الثامنة عشرة، مع أن السياق يوضح أن الآية العاشرة فيها وعد لمن أوفى بالبيعة ووعيد لمن نكثها، أما الآية الأخرى تخبر أنهم جميعا صدقوا في بيعتهم ولم ينكثوا، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}. أي من الصدق والإخلاص والوفاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فهل كان الأباضي يعلم أنه بكلامه هذا يقلب سياق الآيات أَمْ أَنَّ الأمرَ قَد اختلطَ عليه ؟!

بل بعدها بآيات أخرى قال رَبُّنَا تباركَ وَتَعَالَى: { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)}.

فهل انتبه الأباضيُّ لقوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} ؟!

فالله عَزَّ وَجَلَّ أَلْزَمَ هؤلاء الصحابةَ كلمةَ التقوى، لأنهم كانوا مستحقين لها، وكانوا أهلًا لها، وكل هذا الثناء جاء بعد ذِكْرِ الله عَلْمَهُ بِمَا في قلوبهم؛ فهل هؤلاء الصحابة بَدّلوا وَغَيَّرُوا ؟!

ثم استدل أبو الأيهم بحديث البراء بن عازب: [عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ]. ثم قال: [وهذا الحديث أخرجه الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ، وهو في حَقِّ صَحَابِيٍّ جليل، وممن شهد بيعة الرضوان].

والجواب عن هذا سهل بسيط ميسور، ويستطيع كُلُّ عَاقِلٍ من الأباضية أن يسألَ نفسه: ما الذي أحدثه البراء بن عازب أو غيرُه من أصحاب بيعة الرضوان بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟!

فإن لم تجدْ على هذا السؤال جَوَابًا فَاعْلَمْ أن الرواية ليستْ كما فَهِمَهَا هذا الأباضيُّ نِهَائِيًّا.

فالمقصود بالرواية الفتن والحروب التي جَرَتْ بعد وفاة الرسولِ صلى الله عليه وسلم، والتي بدأت باستشهاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على يد المجوس، ثم استشهاد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد الخوارج، ثم استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضًا على يد الخوارج. وليس للصحابة رضي الله عنهم يَدٌ في ذلك كله!

وحتى حروبهم لم تكن لأجل الدنيا، بل كانت عن اجتهاد منهم، وخطؤهم مغفور بإذن الله.

فقول البراء رضي الله عنه: ” لا تدري ما أحدثناه بعده ” ليس معناه أَنَّ أصحابَ بيعةِ الرضوانِ أحدثوا في الدين أو غَيَّروا وَبَدَّلُوا، بل كلامه على سبيل التواضع، ولتعليم التابعين عدم الغلو.

  قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

 [وَهُوَ مِمَّا يُغْبَطُ بِهِ، لَكِنْ سَلَكَ الصَّحَابِيُّ مَسْلَكَ التَّوَاضُعِ فِي جَوَابِهِ.. قَوْلُهُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَهُ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا فَخَافَ غَائِلَةَ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ].(38)

أما ما نقله الأباضي من قول سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عُمَر فهذا موقف خاصٌّ بِهِ، ولعلَّه لم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم بأن أهل بيعة الرضوان مبشرون بالجنة.

ثم ماذا عن قول أنس بن مالك عن ثابت بن قيس بن الشماس: [وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ]؟! كيف شَهِدَ أَنَسُ بن مَالِكٍ لثابت بن قيس بالجنة وهو حَيٌّ؟!

طيب ما رأيك أن أعطيك ما يهدم استدلالك تمامًا من قول رجل أجمعت الأمةُ على علمه وفضله، وسَمَّوْهُ بـ ترجمان القرآن الكريم ؟!

عبد الله بن عباس حَبْرُ الأمة الإسلامية وعالِمُهَا  وَفَقِيهُهَا يقول لعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح: [ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» قَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا].(39)

 كيف جزم لها ابن عباس بأنها من أهل الجنة وهي مازالت حَيَّةً؟! هل أخطأ ابن عباس رضي الله عنهما ؟! أم أن الأباضي يصر على فَهْمِ الأحاديث فَهْمًا أَعْوَجَ لِيُثَبِّتَ الأباضية على باطلهم؟!

ابن عباس يعلم جيدًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بَشَّرَهَا بالجنة، فكلُّ شَخْصٍ بَشَّرَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالجنة فنقطعُ له بأنه من أهل الجنة، وهذا ليس تَأَلِّيًا على الله، بل هو تصديقٌ بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وعملٌ منا بخبره وامتثال لأمره.

وأكثر من ذلك، الصحابي الجليل الشهيد عمار بن ياسر شَهِدَ لِأُمِّ المؤمنين عائشةَ عليها السلام والرضوان بالجنة قبل معركة الجمل بسويعات قليلة، بل شَهِدَ لها بالجنة وهو يخالفها ويحكم بخطئها لما كان يظن أنه خرجت للقتال، ولكنها كانت قد خرجت للصلح بين الناس، فقال عنها: [ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ].(40)

ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة قطعًا، وبما أنها زوجته في الآخرة فهي أيضًا في الجنة قطعًا، فهل كان عمار بن ياسر رضي الله عنه مخطئًا حينما شهد لها بالجنة في حياتها؟!

ثم قال الأباضي:

[ المسألة ليست سهلة كما فهمها هؤلاء القوم، فلان في الجنة وفلان في الجنة وفلان في الجنة هكذا، دون أن تكون هناك متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم].

وأكرر سؤالي للمرة الثالثة: هل ترى أنَّ عثمان وعليًا وطلحة والزبير كانوا متبعين لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد وفاته  أم لا ؟! إن قلت لا ؛ فقد طعنتَ فيهم، وأثبتَّ كلامي وأَكَّدْتَّ كلامَ

علمائِكَ من الأباضية، وإن قلت نعم فما وجه استدلالك بقول سعيد بن المسيب هنا أصلًا؟!

وتصوير المسألة بهذه الطريقة وزعمه أن هذا مجرد فهمنا الشخصي لها شَيْءٌ بَشِعٌ، وقد أثبتنا بكلام أعلم البشر بعد الرسل والأنبياء أن فهمنا لأحاديث الْبُشْرَى هو الصحيح، فعلى ماذا يَتَّكِئُ هو؟!

ثم قال الأباضي:

[ولذلك يقول الله عز وجل: {لقد رَضِيَ اللهُ عن المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تحتَ الشجرة} وقال: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} يعني هناك من لم يتبع بإحسان].

وهذا الاستدلال باطل ولا يَقِلُّ بُطْلَانًا عَمَّـا سبقه من استدلالات الأباضي، فالأباضي لم يكمل الآية عند قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}، لأن إخبار الله عز وجل في الآية بعلمه واطلاعه عما في قلوبهم دَالٌّ على نقاء هذه القلوب، وأنها ليست من القلوب التي تنكث عَهْدَهَا بعد إبرامه.

وأما استدلاله بقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}؛ فهذا تحريف لمعنى الآية الكريمة، فَالِاتِّبَاعُ المذكور يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ أَتَى بَعْدَهُم، وليس مُوَجَّهًا إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كَيْفَ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ اتِّبَاعَنا للمهاجرين والأنصار المذكورينَ بِإِحْسَانٍ دَالًّا على نَيْلِنا لرِضَاه ، وسببًا لدخولنا الجنة كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}؟!

هل الأباضي أبو الأيهم لم يفهم الآية ؟! أم فهمها وَحَرَّفَ معناها متعمِّدًا؟!

ولو فرضنا أَنَّ فَهْمَ الأباضي للآية صحيح ؛ فسنطرح السؤال الاعتيادي: هل عثمان وعلي وطلحة

 والزبير كانوا من المتبعين بإحسان أم لا ؟!

فإن قال الأباضي نعم كانوا مُتَّبِعِين؛ فما وجه استدلاله بهذه الآية في هذا الموضع؟! وإن قال لم يكونوا مُتبعين؛ فقد طعن فيهم كما فعل علماؤه السابقون، وَأَكَّدَ ما نقلتُه عنهم في كتبهم!!

فالأباضي الآن بين نارين:

1.      نار تخطئة علمائه من الأباضية وتبرئة الصحابة رضي الله عنه.

2.      نار الطعن في الصحابة وموافقة ما قاله علماؤه.

وأنوِّه مرة أخرى على ضبط فهم الآية الكريمة بشكل صحيح، فالآية تحدثت عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وأنهم ممن نال رضا الله وسيدخل جنته حتمًا، وعطف الله عليهم مَنْ يتبعهم بإحسان. فالآية ليست حُجَّةً للأباضيِّ، وإنما حُجَّةٌ عليه!!

ثم قال الأباضي:

[على أن هناك حديث استفاض عند الأمة وَحَكَمَ عليه كثيرٌ من أهل العلم بالتواتر .. حديث الحوض المشهور، عندما خرج النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وقال «سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني رأيت إخواني» قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ إلى آخر الرواية، وفي نهايتها قال: « وليذادن أقوام عن حوضي كما يذاد البعير فأناديهم: ألا هلم

أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقا سحقا».

إذًا القضية واضحة، ليست القضية كما يقول أبو عمر الباحث أن هناك فلان في الجنة قطعا، قطعًا إن وَفَّوا، ألم يحصل قتال بين سيدنا علي وطلحة والزبير، ألم يحصل قتال في الجمل؟! فإذًا القضية لابد أن توضع في مواضعها الصحيحة ، وليست هكذا فقط بالأهواء].

فأكرر سؤالي لأبي الأيهم للمرة الرابعة:

هل تعتقد أن عثمانَ وعليًّا وطلحةَ والزبيرَ قد بَدَّلُوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟!

إذا قلتَ نعم بَدَّلُوا؛ فقد طَعَنْتَ فيهم ووافقتَ أقوالَ علماءِ الأباضية الطاعنين في هؤلاء الصحابة، وإِنْ قلتَ لا؛ فما وجه استدلالك بهذا الحديث أصلًا ؟!

ثم هناك نقطة أخرى، وهي نقطة تتعلق بألفاظ الحديث نفسه، وسأذكر الرواية من كتاب مسند

الربيع الذي يؤمن به الأباضية ويُسَمُّونَهُ بـ “الجامع الصحيح” !! جاء في مسند الربيع:

[عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍٍ بُهْمٍ، أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، ولَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فَأُنَادِيهِمْ: أَلاَ هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: فَسُحْقًا فَسُحْقًا»].(41)

وَحَسْبَ هذه الرواية ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بين أصحابه، وبين إخوانه الذين سيأتون بعده. فقال لأصحابه: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ. ثم سأله الصحابة قائلين: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ؟، إذا فسياق الكلام بعد ذلك عَمَّنْ سيأتي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس عن أصحابه، فقال عليه الصلاة والسلام إنه سيعرفهم من أَثَرِ الوضوء، ثم قال: [ولَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فَأُنَادِيهِمْ: أَلاَ هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: فَسُحْقًا فَسُحْقًا»]. فأين ذِكْرُ الصَّحَابَةِ في هذا السياق؟!

لماذا ذكر أبو الأيهم الصحابة في هذه الرواية، مع أن الرواية في مسند الربيع ليس فيها ذِكْرُ

الصحابة، والحديث بهذا السياق وبهذا اللفظ من رواية أبي هريرة ليس فيه ذكر الصحابة عند مسألة الذود عن حوضه عليه الصلاة والسلام، وإليك الرواية أيضًا من صحيح مسلم:

[عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا”].(42)

فليس في رواية أبي هريرة أيضًا ذِكْرٌ للصحابة رضي الله عنهم في سياق الذود عن الحوض. وإنما فَرَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بين أصحابه وبين مَنْ سَيَأْتي بعدهم، فالآتون بعدهم قسمان:

القسم الأول: إخوانه، وهم الْغُرُّ الْـمُحَجَّلُون من آثار الوضوء.

القسم الثاني: مَنْ سَيُذَادون عن حوضه، وهم الذين بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا بَعْدَه عليه الصلاة والسلام.  

أما الرواية التي فيها قوله عليه الصلاة والسلام: [يا رب أصحابي] وهي من حديث ابن عباس وغيره فلا يوجد عالِم واحِدٌ قال إنها تنطبق على عثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم.

بل العلماء فَسَّرُوهَا بأَنَّ المقصودَ بها هم المرتدون بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، أو المنافقون أو أصحاب الكبائر، ولا أجد عالِمًا واحد جعل هذه الرواية عن الصحابة رضي الله عنهم.

بل في هذه الرواية قوله عليه الصلاة والسلام: [إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى].

فإن كان أبو الأيهم يرى أن عثمان وعليًّا وطلحة والزبير من المقصودين بالحديث فليخبرنا بذلك!

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

[قَالَ الْفَرَبْرِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الاعراب مِمَّن لا نصرة لَهُ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ].(43)

وقبيصة بن جابر من أفاضل التابعين وأئمتهم ونبلائهم؛ فما علاقة حديث الحوض بأفاضل الصحابة كعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم؟!

وأما شرط الوفاء والاتباع الذي ذكره أبو الأيهم مرةً أخرى؛ فسبق أنْ قلتُ إِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يعلم منهم أنهم ثابتون على ما كانوا عليه أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يغيروا ولم يبدلوا، بل هم موعودون ومبشرون بالجنة لأن الله يعلم أنهم سيظلون ثابتين على ذلك.

وأما ضربه المثالَ بمعركة الجمل وما وقع بين علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم فليس بِحُجَّةٍ.

فالله عز وجل حينما بَشَّرَهُمْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بالجنة كان يعلم سبحانه أن هذه الحروب ستحدث، ومع ذلك أوحى لنبيه عليه الصلاة والسلام بهذه البُشْرَى لهم.

وليتدبر القارئ الكريم كيف يقوم الأباضيةُ بتنزيل الأحاديثِ التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم عن  المرتدين والمنافقين على الصحابة!! ثم يقولون إنهم يُعَظِّمُونَ الصحابة ويوقرونهم !!

فقوله: [فَإِذًا القضية لابد أن توضع في مواضعها الصحيحة، وليست هكذا فقط بالأهواء] ينطبق عليه هو وعلماؤه الذين حَكَّمُوا أهواءَهم وطعنوا في الصحابة، وقاموا بتنزيل أحاديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم عن  المرتدين والمنافقين على الصحابة رضي الله عنهم!!

ثم يقول إن براءة علماء الأباضية من الصحابة كانت على خلفيات تاريخية !!

فأنا لم أفهم ما هو المطلوب مني بالضبط في قوله هذا؟! هل يعني أن براءة علمائكم من الصحابة وسبهم والحكم عليهم بالخلود في النار جائِزٌ بشرط أن يكون ذلك على خَلْفِيَّاتٍ تاريخية؟!

ما علاقةُ حديثك عن الخلفيات التاريخية ببراءة علمائكم من الصحابة ؟! المهم عندي أَنَّ علماءَ الأباضيةِ تبرأوا من الصحابة وشتموهم وسبوهم وحكموا عليهم بالخلود في النار!!

والسؤال واضحٌ جليٌّ: هل ما نقلته من كتب علماء الأباضية صحيح أم أني افتريتُ عليهم؟!

وأنا سألتُ في حلقتي سؤالًا وَاضِحًا صَرِيحًا: إذا كان الأباضية لا يعتقدون بالكلام المكتوب في

 كتب علمائهم السابقين فلماذا يطبعون هذا الكتب ؟! ولماذا لم يصدر بيان رسمي من مفتي الأباضية الشيخ الخليلي أو من نائبه بأن عقيدة علمائهم السابقين عقيدة خاطئة ؟!

 المدهش أن الشيخ الخليلي وصف أبا سعيدٍ الْكُدَمِيَّ الذي كَفَّرَ عليَّ بن أبي طالب عليه السلام بأنه إمام العلماء بلا منازع. بل إِنَّ وصف الخليلي للكدمي بهذا الوصف كان في مقدمة الكتاب الذي كَفَّرَ فيه الكُدَمِيُّ عَلِيًّا رضي الله عنه!!  بل إن الخليلي لم يُشِر في مقدمة الكتاب إلى بطلان قول أبي سعيد الكُدَمِيِّ في حق علي بن أبي طالب عليه السلام والرضوان!!

 ثم قال أبو الأيهم:

[أليس أحد من علمائكم من طعن في بعض الصحابة أبدًا قطعًا؟! أنا لا أَرُدُّ عليك في هذا، علماء

أهل السنة ردوا عليك ويكفينا ذلك].

فأقول: كلامك هذا هروب من إلزامي لكم بكلام علمائكم الذي لم تتعرَّض له إلى الآن!! ثم هل نحن تَبَنَّيْنَا قولَ مَنْ قال ذلك ووصفناه بأنه إمامُ العلماء بلا منازع؟! هل فعلنا مثل الأباضية وَدَفَنَّا رؤوسنا في الرمال، ولم نستطع أن نرد عليه قولَه ؟! وخذها مني صريحة، كل من طعن في الصحابة فهو مخطئ، سواء كان منهم أو من جاء بعدهم، ونحن نبرأ إلى الله من هذه الطعون.

وليلاحظ القارئ الكريم أن الأباضي حتى الآن لم يحكم بتخطئة علماء الأباضية الذين كَفَّرُوا

الصحابة رضي الله عنهم وتبرأوا منهم وحكموا عليه بدخول النار والخلود فيها!!

ثم مَنْ هُمْ علماء أهل السنةِ الذين رَدُّوا عَلَيَّ في ذلك ؟! أرجو أن تذكر لي أسماءهم من فضلك!

ثم يقول الأباضي:

[ دعنا مع إخواننا من أهل السنة والجماعة، ودعنا مع إخواننا الشِّيعَة، الحمد لله نحن لا نُكَفِّرُ أحدًا، ولن نخوضَ في هذه الأحداث].

فهل صدق الأباضي في كلامه هذا؟!  وهل سَلِمَ أَهلُ السنة والجماعة من ألسنتكم وأقلامكم؟!

ألم أنقلْ بالنص من كتاب شيخك الخليلي وهو يصف عقائد أهل السنة والجماعة بالعقائد اليهودية والشركية؟! ثم هل سلم الشيعة من ألسنة علماء الأباضية وأقلامهم؟! ألم يصف علماؤكم الشيعة بأنهم نصارى هذه الأمة، ونسبوا هذا الوصف للنبي صلى الله عليه وسلم؟!

  فيقول الأباضي أبو بكر أحمد بن عبد الله الكندي:

[مسألة: فالصنف الأول في الروافض … المضاهى بهم في سُنَّةِ الرسول أهل البيع بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الرافضة نصارى هذه الأمة)) وهم فرق كثيرة، ولا غرض لنا في وصف فرقهم وما تباينوا فيه من إفك مختلفهم، وإنما الغرض تخليص أهل الحق منهم وإبانهم في التدين بالحق عنهم، فمتى وضح تكفيرهم فاز بالحق غيرهم، وتكفير كل فرق الأمة ولو في مسألة واحدة كاف

 عن إسباغ القول في شرح ضلالاتهم ووصف الرد على حججهم ودلالاتهم، وبالله التوفيق].(44)

  ويقول الأباضي أبو يعقوب الوارجلاني:

[الشيعة ومذاهبهم في علي بن أبي طالب وولده كأنَّهم ليسوا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إليهم رسول الله عليه السلام فقال: (شر أفراق هذه الأمة فرقة تنتحلك يا علي ولا تعمل بأمرك) كما لأنهم خارجون من هذه الأمة إلا شَواذَّهُم فهم متاخمون بلاد الترك وبلاد

 النصارى وأرمينية ونظائرها].(45)

هل يجرؤ الأباضي أبو الأيهم على أن يحكم على إِمَامَيْهِ أبي بكر الكندي وأبي يعقوب الوارجلاني بالخطأ والضلال؟!

  ثم ماذا عن حرقوص بن زهير وعبد بن وهب الراسبي ؟! هل هذانِ مُبَشَّرَانِ بالجنة ؟!

وماذا عن تكفير أبي سعيد الكدمي والكندي وغيرهما للصحابة؟! حتى وإن كان المقصود كفر النعمة كما تقولون، فأين براءتكم من قول الكدمي والكندي والوارجلاني والعوتبي ؟!

نريد منكم فقط أن تعلنوا أن علماء الأباضية المكفرين للصحابة مخطئون، وأَنَّ قولهم ليس مُعْتَمَدًا عندكم الآن، ولن يكون معتمدًا في المستقبل!! وإلَّا فنحن لسنا من الساذجين حتى نصدِّقَ هذا الكلام في نفس الوقت الذي تطبعون فيه الكتب التي تكفِّرُهُمْ وتصفون مُكَفِّرِي الصَّحَابَةِ بأنهم أَئِمَّةُ الْعُلَمَـاء بِلَا مُنْازِع وأنهم أئمةُ الدين وأقطابُ الأئمة وَمُفْتِيِّو الأمة!! وعدم تخطئة علمائكم في تكفيرهم للصحابة إلى الآن يدل على أن الأمر مجرد تقية وخداع للبسطاء ومتاع إلى حين!!

ثم كرر الأباضي أن من علمائنا أو من بني أمية مَنْ سَبَّ عليَّ بن أبي طالب على المنابر!!

فأقول: ما وقع من بعض ولاة بني أمية في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنهم معروف،

ولكننا أنكرنا عليهم ذلك وحكمنا بخطئهم، ونبرَأ إلى الله من سَبِّهِمْ له؛ فأين براءة الأباضية المعاصرين من أقوال علمائهم الذين سبوا عثمانَ وعليًّا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وكَفَّرُوهم وحكموا عليهم بالخلود في النار؟!

ثم يقول الأباضي بمنتهى البساطة إنه يَلُمُّون ويجمعون ولا يُفَرِّقُونَ!!

في الحقيقة هذا غير واضح ، ففي الوقت تزعم أنت فيه ذلك نرى شيخك الخليلي يسب المغيرة بن شعبة مع أنها من أهل بيعة الرضوان، ويسب معاوية بن أبي سفيان وغيرهما من الصحابة في كتابه الاستبداد، ويصفهم بما لو وُصِفَ بِهِ أَحَدُكم لَاحْمَرَّ أَنْفُهُ وهاج وماج  وأكثر العَجَاج والحِجَاج!!

ثم قال الأباضي :

[نحن مستعدون أن ننسى تلك الأحداثَ التاريخية].

قلت: لو كان ذلك كذلك لما وجدنا شيخكم الخليلي يكرر الأكاذيب التاريخية في كتابه الاستبداد للطعن في المغيرة بن شعبة وهو من أهل بيعة الرضوان، ولما وجدناه يصف عَقَائِدَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة بأنها عقائدُ اليهودِ والمشركين، ولما وجدناك أنت أيضًا في نفس المقطع تطعن في الأشعث بن قيس الكندي، وهو صحابي متفق على صحبته لرسول صلى الله عليه وسلم.

من يريد بالفعل أن ينسى هذه الأحداث التاريخية فكان عليه ألَّا يسطرها في كتبه لتظل شاهدة عليه وعلى أبناء مذهبه أنهم يقولون شيئًا ويفعلون عكسه وضده تمامًا!

لو كنتم مستعدين الفعل لنسيان هذه الأحداث فكان عليكم أن تصدروا بيانًا واحدًا يَتِيمًـا بِأَنَّ أقوال أئمتكم باطلة وأنَّ تكفيرهم للصحابة باطل، وأن هذه الأقوال لن يقول بها الأباضية!

تخيل أنك طوال الحلقة لم تُصَرِّحْ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً بِأَنَّ عُلَمَـاءَكُم الذين طعنوا في الصحابة مخطئون!!! لمدة 45 دقيقة تتكلم ولم تستطعْ أن تنطق بها، لأنك تعلم جيدًا أن الطعن في الصحابة هو القول المعتمد في دين الأباضية ومذهبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله !!

شيخكم الأباضي فرحات الجعبيري – وهو من المعاصرين – قال إِنَّ علي بن أبي طالب قتل أهلَ النهروان عن هوى في نفسه!! وقال عن الأباضية إنهم: [يبرئون من علي بن أبي طالب لقتله أهل النهروان، ويعتبرون أن عليًّا لم يقتلهم عن ديانة، وإنما قتلهم عن هَوًى في نفسه].(46)

فهل هذا مدح في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أم طعن، وهل الجعبيري أيضًا كان مستعدًا أن ينسى الأحداث التاريخية حينما وصف علي بن أبي طالب بهذا الوصف المشين؟!

ثم قال هذا الأباضي:

[ ليس كل الصحابة عدولًا، كما هو قطعًا معلوم، حتى عندك أنت يا أبا عمر الباحث قطعًا معلوم أنه ليس كل الصحابة سَلِمُوا مِن الفتنة].

بل الصحابة كلهم عدول، بشهادة الله لهم، وشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم الذين لا ينطق عن الهوى، يا أبا الأيهم، كيف تتكلم في العدالة وتنفيها عن بعض الصحابة وأنت لا تعرف معناها بارك الله فيك؟!

العدالة لا تعني العِصْمَة، بل نؤمن أن العصمة انتهت بوفاة سيد الخلق بأبي هو وأمي وروحي عليه الصلاة والسلام،

  قال الحافظُ صلاحُ الدينِ الْعَلَائِيُّ:

[((في تقرير عدالة الصحابة رضي الله عنهم)) : والذي ذهب إليه جمهور السلف والخلف، أن العدالة ثابتة لجميع الصحابة رضي الله عنهم، وهي الأصل المستصحب فيهم، إلى أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد منهم لما يوجب الفسق مع علمه، وذلك مما لم يثبت صريحاً عن أحد منهم بحمد الله، فلا حاجة إلى البحث عن عدالة من ثبتت له الصحبة ولا الفحص عنها بخلاف

من بعدهم].(47)

بل هذه المسألة من المسائل التي أطلق الأئمة فيها الإجماع!!

فقال الحافظُ الْعَلَائِيُّ:

[فإنه لم يخالف في عدالة الصحابة من حيث الجُمْلَة أَحَدٌ من أهل السنة..قال ابنُ الصلاح: أجمع العلماءُ الذين يُعْتَمَد بهم في الإجماع على عدالتهم أيضاً إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأنَّ الله تعالى أباح الإجماعَ على ذلك لِكَوْنِهِم نَقَلَةَ الشريعة].(48)

  قال الخطيب البغدادي:

[بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْدِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلصَّحَابَةِ: وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ, وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَنْ دُونَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ, لَمْ يَلْزَمِ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رِجَالِهِ, وَيَجِبُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ, سِوَى الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ, لِأَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ ثَابِتَةٌ مَعْلُومَةٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ لَهُمْ وَإِخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِمْ, وَاخْتِيَارِهِ لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ].(49)

فكيف زعمتَ أني لا أؤمن بعدالة الصحابة جميعًا؟!

ويأتي السؤال الاعتيادي لأبي الأيهم: هل ترى عثمان وعلي وطلحة والزبير عدولًا أم لا؟!

فإن قلت إنهم ليسوا عدولًا فقد طعنت فيهم، وإن لت إنهم عدول، فما وجهة كلامك عن العدالة في سياق الحديث عنهم وعن بقية المبشرين بالجنة إذًا؟!

وليس معنى وقوع الفتن أَنَّ مَنْ خَاضَ فيها سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، فالنص القرآني الإلهي والنص النبوي المحمدي قاطعانِ بفضل الصحابة المذكورين في حديث البشارة بالجنة، ولا ينبغي تعطيل

نصوص لأجل نصوص أخرى، وينبغي التسليم لكلام الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

فمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ فهو من أهل الجنة قَطْعًا، لا شك في ذلك أبدًا.

وقال الأباضي:

[وإلا فكيف يسمِّي الرسول صلى الله عليه وسلم لحذيفة أسماء الصحابة الذين نافقوا].

قلت: أرجو أن يجيب أبو الأيهم عن هذا السؤال لأني كررته عدة مرات:

هل تعتقد حَقًّا أن عثمان وعليا وطلحة والزبير كانوا منافقين؟! إنْ قلتَ لا؛ فلماذا تذكر إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة بأسماء المنافقين في معرض طعنك في حديث العشرة المبشرين بالجنة، وإنْ قلتَ نعم؛ فتلك طامة كبرى، ولا إخالك تجرؤ على النطق بها. فإنْ كُنْتَ تعتقد أنهم منافقون فأنت مُجْرِمٌ من كِبَارِ المجرمين. وأنا ظني بك أنك لا تعتقد بذلك، وعليه فذِكْرُكَ لمسألةِ إخبارِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حذيفة بأسماء المنافقين لا محل لها من الإعراب.

ثم هل يوجد اسم واحد من العشرة المبشرين بالجنة ضمن أسماء المنافقين حتى تذكر ذلك؟!

وبهذا ينتهي الجزء الأول من الرَّدِّ على الأباضي أبي الأيهم هدانا الله وإيَّاه إلى الحق، ويليه الجزء الثاني بحول الله وقوته.

والحمد لله رب العالمين  ،،،،

—-

فإلى دَيَّان يوم الدين نمضي   **   وعند الله تجتمع الخصوم

 

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

صباح الأحد يوم 10 من شوال لعام 1439 هجريا

الموافق 24 يونيه لعام 1018 ميلاديا

 


مراجع البحث:

(1)  الحق الدامغ للخليلي ص95.
(2)  سورة القيامة – الآيتان 22 : 23.
(3)  رواه البخاري برقم 7435.
(4)  رواه مسلم برقم 211 – (633).
(5)  سير أعلام النبلاء ج2 ص167، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(6)  فتح الباري ج8 ص302، ط دار المعرفة – بيروت.
(7)  شرح صحيح مسلم للنووي ج3 ص15، ط دار المعرفة – بيروت.
(8)  لسان العرب ج5 ص215، دار صادر – بيروت.
(9)  الحق الدامغ ص190.
(10)  صحيح البخاري – حديث رقم  806.
(11)  سورة القلم  – الآيتان 34 : 35.
(12)  صحيح ابن حبان ج16 ص457، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(13)  مسند الإمام أحمد بن حنبل ج4 ص92، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(14)  مسند الإمام أحمد بن حنبل ج4 ص92، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(15)  عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج15 ص243، ط دار إحياء التراث العربي- بيروت.
(16)  صحيح البخاري – حديث رقم 3349.
(17)  ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج1 ص221 و222، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(18)  لسان الميزان ج1 ص419 ، ط مكتب المطبوعات الإسلامية – بيروت.
(19)  المصدر السابق.
(20)  صحيح البخاري ص22 ط دار ابن كثير- بيروت . بَاب: “خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.
(21)  فتح الباري (1/ 111(، ط دار المعرفة – بيروت.
(22)  صحيح البخاري ص22 ط دار ابن كثير- بيروت . بَاب: “خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.
(23)  فيض القدير (4/ 317).
(24)  شرح النووي على مسلم (16/ 41).
(25)  فيض القدير ج2 ص132، ط مكتبة الإمام الشافعي – الرياض.
(26)  صحيح البخاري – رقم 2778. وهناك خلاف هل حفرها أم اشترها، والراجح أنه اشتراها. والله أعلم.
(27)  صحيح البخاري – حديث رقم 2778.
(28)  سنن الترمذي –  حديث رقم 3701.
(29)  صحيح البخاري – حديث رقم 3674، وصحيح مسلم برقم 29 – (2403).
(30)  التنوير شرح الجامع الصغير ج7 ص240، ط مكتبة دار السلام – الرياض.
(31)  التنوير شرح الجامع الصغير ج1 ص267، ط مكتبة دار السلام – الرياض.
(32)  مسند الإمام أحمد بن حنبل ج19 ص391، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(33)  سنن الترمذي ج6 ص178، ط دار الغرب الإسلامي – بيروت. وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(34)  صحيح مسلم – حديث رقم  163 – (2496).
(35)  شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 58).
(36)  صحيح البخاري – حديث رقم 4890.
(37)  تيسير التفسير للقطب محمد اطفيش (11/ 151)، بترقيم الشاملة الأباضية.
(38)  فتح الباري (7/ 450(.
(39)  صحيح البخاري – رقم 5652، وصحيح مسلم – رقم 54 – (2576).
(40)  مروي عنه بإسنادينِ صحيحينِ، أحدهما عند البخاري برقم 3772، والثاني عند الترمذي رقم 3889.
(41)  مسند الربيع بن حبيب الأباضي – رقم 43.
(42)  صحيح مسلم – رقم  39 – (249).
(43)  فتح الباري لابن حجر (11/ 385).
(44)  الجوهر المقتصر ص122.
(45)  الدليل والبرهان ج1 ص24 ، 25.
(46)  البعد الحضاري للعقيدة الأباضية  ص48.
(47)  تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة ص60، دار العاصمة – الرياض.
(48)  المصدر السابق ص78.
(49)  الكفاية في علم الرواية ص46، المكتبة العلمية – المدينة المنورة.

 

 

اترك ردّاً