قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
الردود العلمية على طائفة الإباضية
الرد على: رسالة سريعة لأبي عمر الباحث موقف الأباضية من الصحابة! ج4
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا الجزء الرابع من الرَّدِّ الْعِلْمِيِّ على مقطع فيديو لأحد الأباضية حاول فيه أنْ يَرُدَّ على ما ذكرتُهُ في حلقة “موقف علماء الأباضية من الصحابة”، وكنت أرد فيه على نائب مفتي الأباضية ” كهلان الخروصي” هدانا الله وإياه.
وتحت عنوان: “بيان تلبيسات الباحث على الخليلي، ومناقشة حديث الفئة الباغية” يقول الأباضي:
[طبعًا ربما أبو عمر الباحث يأتي بهذا المقطع، ويقتطع من هنا وهناك ويقول: انظروا يستدلون بالمجاهيل والضعفاء والمجاهيل والروايات الضعيفة تمامًا كما فعل مع الشيخ أحمد الخليلي، عندما دَلَّسَ عليه حينما قال الشيخ الخليلي يأتي برواية ابن رَجَبٍ في العلل للترمذي ويقول إنها ضعيفة في مسألة لعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابر، ويحاول أن يدلس عليه ويقول إنها رواية ضعيفة، وكيف يعقل أن الخليلي لم يلتزم منهجًا].
فأقول وبالله التوفيق:
أَوَّلًا: أنا لا أقتطع شيئًا من كلامك اقتطاعًا يُحَوِّلُهُ عن مَعْنَاه، ولكني أَرُدُّ على كل جزء على حِدَةٍ، فَإِنْ كان هذا يسوؤك فهذه مشكِلَتُكَ أنت، لا مشكلتي أنا!
ثَانِيًا: شيخك بالفعل استدلَّ بروايات ضعيفة ومكذوبة، ولم يلتزم المنهج الإسلامي في الإنصاف والعدل والورع والابتعاد عن الكذب والافتراء، وإنما أخذ يستدل بكل موضوع ومكذوبة ليثبت وجهة نظره المتهالكة! كما بينتُ ذلك عدة مرات، وكما سيأتي معنا في هذا البحث!
ثالثًا: الرواية التي في شرح عِلَلِ الترمذي لابن رَجَب الحنبلي لَيْسَتْ عن مسألة لَعْنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر بارك الله فيك! أرجو أَنْ تُرَكِّزَ قَلِيلًا فِيما تقول.
رواية ابن رجب الحنبلي عن استطاعة الحسنِ البصريِّ أنْ يَذكُرَ عَلِيًّا رضي الله عنه في حديثه عنه! وليست عن حديث الفئة الباغية!
وسيأتي الكلامُ عنها مُفَصَّلًا حينما يحين وقتها بمشيئة الله في البحث الخامس أو السادس.
لكن مما أثار دهشتي أن هذا الأباضي دخل في موضوع الفئة الباغية، فنقل كلامًا للخليلي من كتاب الاستبداد، وقد رددتُ بثلاثة عشر حلقة علمية على هذا الكتاب، وبينتُ أن الشيخ الخليلي وقع في التزوير والتلفيق والتلاعب والتدليس!
وسأعرض الآنَ كَلامًا جدِيدًا للخليلي مما قرأه الأباضيُّ أبو الأيهمِ، ثم أُبَيِّنُ وَهَاءَه وَضَعْفَهُ وَوَهَنَهُ وكذبه وتدليسه بالدليل والبرهان كما تعودنا مع حضراتكم بإذن الله.
فبعدما نقل الخليلي أقوالَ علمائنا في تصحيح حديث الفئة الباغية وأنها بَلَغَتْ مَبْلَغَ التواترِ قال:
[مع وضوح دلالة هذا الحديث وقوته جادلت فيه طائفة من الناس، فمنهم من طعن في أصله، فقد نقل ابن الجوزي في (العلل المتناهية) عن الخلال أنه: «ذكر أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبا خيثمة والمعيطي ذکروا هذا الحديث «تقتل عمارا الفئة الباغية»، فقالوا فيه: ما فيه حديث صحيح، وأن أحمد قال: قد روي في عمار تقتله الفئة الباغية) ثمانية وعشرون حديثا ليس فيها حديث صحيح». وقد علمتَ أنَّ غيرَ واحِدٍ من أئمة الحديث عَدَّهُ في المتواتر].(1) أهـ
أولًا: هل الإمام أحمد بن حَنْبَلٍ رحمه الله قال هذا الْكَلَامَ بالفِعْل؟!
أقول: ابن الجوزي مُتَوَفَّى عام 597، وعاش 87 عَامًا، وهذا يعني أنه وُلِدَ عام 510 هجرية.
والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله متوفى عام 241 هجرية، يعني بين وفاة الإمام أحمد ولادة ابن الجوزي 269 عامًا من الانقطاع!! ولا شك أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الجوزيِّ سَاقَ سَنَدًا لهذا الكلام!
ولذلك علينا أن ننظر في السند لِنَعْرِفَ هل قال الإمام أحمد هذا الكلام أَمْ لا!
قال ابن الجَوْزِيِّ:
[أما قوله عليه السلام لعمار “تقتلك الفئة الباغية”، وقد أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ من حديث أَبِي قَتَادَة وأم سلمة، إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الخَلَّالَ ذَكَرَ أَنَّ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَأَبَا خَيْثَمَةَ والمعيطي ذَكَرُوا هَذَا الحديثَ “تقتل عمارًا الفئة الباغية، فقال فِيهِ: ما فِيهِ حديث صحيح، وَأَنَّ أَحْمَدَ قال: قد رُوِىَ فِي عمار “تقتله الفئة الباغية” ثمانية وعشرون حديثًا، ليس فيها حديث صحيح“].(2) أهـ
وبهذا النقل يتبين أَنَّ ابنَ الجَوْزِيِّ نقل ذلك عن كِتَاب السُّنَّةِ لأبي بكر الْـخَلَّالِ.
قال أبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ:
[سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: رُوِيَ فِي: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ].(3)
فهل هذا السندُ صَحِيحٌ؟!
فلقد بحثت كَثِيرًا عن مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ هذا، فلم أجد في مشايخ الخلال رَجُلًا بِهَذَا الاسْمِ، ثم بحثتُ في تلاميذ أحمد بن حنبل، فلم أجد عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هذا!!
ولهذا قال الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ:
[وَهَذَا الْإِسْنَادُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ].(4)
قال مُحَقِّقُ كِتَابِ السُّنَّةِ: د/ عطية الزهراني:
[في إسناده مَنْ لم أتوصل إلى معرفة تراجمهم، وهذا خلاف الحق].(5)
إذًا، سَنَدُ هَذِهِ الرواية غيرُ صَحِيحٍ عن الإمام أحمد!! ولم يثبت أنه قال هذا الكلام أَبَدًا!!
فأين النظرة المتأنية الفاحصة للتاريخ التي كان يتحدث عنها مفتي الأباضية أحمد الخليلي؟!
ثانيًا: في نفس الكتاب وفي الصفحة التالية سنجد القولَ الصحيحَ عن الإمام أحمد رحمه الله!!
يقول أبو بَكْرٍ الخلال:
[قَالَ ابْنُ الْفَرَّاءِ: وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْنَدِ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . فَقَالَ أَحْمَدُ: كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَتَلَتْهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. وَقَالَ: فِي هَذَا غَيْرُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا].(6)
قلتُ: الله أكبر، في نفس الْكِتَاب نَجِدُ الْقَوْلُ الصحيح عن الإمام أحمد في هذا الحديث!!
فهو يثبت صِحَّةَ الرواية ويقول: [فِي هَذَا غَيْرُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ..].
الإمام أحمد بن حَنْبَلٍ يقول إِنَّ هُنَاكَ عَدَدًا من الرواياتِ الصَّحِيحَةِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ في حديث الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ!! ليس حَدِيثًا وَاحِدًا، بل عِدَّةُ أحاديث، ويقصد بها الأسانيد!
قال الصنعاني:
[وقوله في غير حديث صحيح، أي: في عِدَّةٍ كَثِيرَةٍ من الأحاديث الصحيحة].
ثَالِثًا: الإمامُ أحمد بنفسه روى هذا الحدِيثَ في مُسْنَدِهِ 18 مرة!! تخيل!!
فرواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري، وخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأنصاري، وأبي قتادة الأنصاري، وعمرو بن حَزْمٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهم جميعًا.
ثم يقال بعد ذلك – زورًا وبهتانا وتدليسًا – إِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ يُنْكِرُ صِحَّةَ هذا الحديث!!
رابعًا: الخليلي يعرف يقينًا أَنَّ الإمامَ أحمدَ رحمه الله يصحح الرواية!!
فلقد نَقَلَ مُفْتِي الأباضيةِ الخليليُّ في كتابه قولَ الإمام الذهبي رحمه الله:
[وَفِي البَابِ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ].
ولكن في السَّطْرِ التَّالي مُبَاشَرَةً، قال الذهبي:
[قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: فِيْهِ غَيْرُ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا].(7)
إذًا فالخليلي يعلم جَيِّدًا أَنَّ الإمامَ أحمد صَحَّحَ روايةَ الفئة الباغية، ومع ذلك لم يَسْتَحِ أن ينقل عنه روايةً ضعيفة مسلسلة بالمجاهيل ليطعن في عِلْمِهِ ونزاهته ومصداقيته وأمانته!!
ومما يدل أيضا على مَعْرِفَةِ الخليلي بقول الإمام أحمد أنه نقل على الصنعاني تصريحه بتواتر الحديث فقال: [وَنَصَّ على تواتره أيضًا الصَّنْعَانِيُّ في توضيحه].
وحينما نفتح كتاب التوضيح سنجده يقول أَيْضًا:
[قال الإمام أحمد: جاء هذا – يعني حديث عمار – في غير حديث صحيح، ورواه خَلْقٌ كَثِيرٌ من الصحابة.. قال يعقوب بن أبي شيبة: سمعت أحمد يقول: في هذا غير حديث صحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هذا أَكْثَرَ من هذا].(8)
إذًا فالأمير الصنعاني نَقَلَ تصحيحَ الإمامِ أحمدَ للحديث، فهل الخليلي لم يَرَ هذا الْكَلَام؟!
خَامِسًا: وهي الفضيحة الكُبْرَى وَالْجُرْسَةُ الْعُظْمَى، وَهِيَ أَنَّ الرَدَّ على كَلَام ابن الجَوْزِيِّ – بتضعيف الرواية التي استدلَّ بها الخليلي، وتصحيح الرواية التي يصحح فيها الإمام أحمد حديث الفئة الباغية – موجودٌ في نفس كتاب ” توضيح الأفكار” الذي ينقل منه الخليلي!!
وليس هذا فقط، بل سنرى أن الأمير الصنعاني نَسَفَ كَلَامَ ابنِ الجوزي في هذه المسألة نسفًا!!
قال الصنعاني:
[قلت: ولا يَخْفَى أن كلام المصنف في غير محله، لأن ابن الجوزي ناقل عن غيره عن حكاية عن أحمد رواها بصيغة التمريض، فالجواب على نقل ابن الجوزي أن يقال هذه الحكاية التي نقلها الخَلَّادُ وأظنه الخلال باللام مرويةٌ بصيغة التمريض؛ فكيف يُقْدَحُ بها في شيء؟! فالراوية متواترة، وقد نقلت نصوصهم وألفاظهم. ثم نعارضه بما ذَكَرَهُ الزركشيُّ في تخريج أحاديث الرافعي، فإنه قال: قال الإمام أحمد: جاء هذا – يعني حديث عمار – في غير حديث صحيح، ورواه خَلْقٌ كَثِيرٌ من الصحابة، وكأنه يريد عَمَّارًا أَحَدَ أُمَرَاءِ عليٍّ في صِفِّينَ. وقوله في غير حديث صحيح أي: بل في عِدَّةٍ كثيرة من الأحاديث الصحيحة، وقال: قال يعقوب بن أبي شيبة: “سمعت أحمد يقول: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكره أن يتكلَّمَ في هذا أكثر من هذا”. أهـ.
فهذا نقل صحيح عن أحمد بكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المعنى، وقد أخرج أحمد نفسه في مسنده حديث خزيمة بن ثابت. وهذه الحكاية التي نقلها ابنُ حَجَرٍ عن ابن الجوزي لم ينقلها الزركشي مع توسعه في النقل أكثر منه].(9)
نستفيد من كلام الصنعاني الأمور التالية:
1. تخطئة الصنعاني لابن الجوزي ووصف كلامه بأنه في غير محله.
2. ابن الجوزي نقل الرواية بصيغة التمريض، أي التضعيف.
3. الصنعاني عَارَضَ الروايةَ التي استدل بها الخليلي بالرواية الصحيحة عن الإمام أحمد.
4. الصنعاني وصف الرواية المعاكسة لاستدلال الخليلي بأنها رواية صحيحة عن أحمد.
5. الصنعاني استدلَّ على تصحيح الإِمام أحمد لروايةِ “الفئة الباغية” بأنه رَوَاهَا في مُسْنَدِهِ.
6. الصنعاني احتجَّ على ضعف رواية الخليلي بأن الزركشي – وهو المتوسع في النقل عن الإمام
أحمد أكثر من أبي الفرج بن الجوزي – لم يذكر هذه الرواية الضعيفة.
فماذا نُسَمِّي هذا الْفِعْلَ يا عِبَادَ الله؟! هل يليق برجلٍ يَدَّعِي الْعِلْمَ الشرعي وَيَشْغَلُ مَنْصِبَ الْإِفْتَاءِ أَنْ يقوم بكل هذا التزوير والتدليس للطعن في الإمام أحمد رحمه الله واتهامه بما لم يقل؟!
سَادِسًا: الخليلي في تعليقه على هذا الحديث استدلَّ من كلام ابن تيمية من كتاب منهاج السنة النبوية، وابن تيمية بنفسه نقل أيضًا تصحيحَ الإمامِ أحمد بن حَنْبَلٍ لحديث الفئة الباغية!!
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية:
[قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ فِي الْمَكِّيِّينَ، فِي مُسْنَدِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، لَمَّا ذَكَرَ أَخْبَارَ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي عَمَّارٍ: ” «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ” فَقَالَ أَحْمَدُ: قَتَلَتْهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: فِي هَذَا غَيْرُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا].(10)
فكيف تَجَرَّأَ الخليلي على هذه الفعلة الخبيثة المشينة التي لا يقع فيها المبتدئ في طلب العلم؟!
سابعًا: الرواية الأخرى التي نقلها الخليلي عن ابن الجوزي أيضًا لا تصح!!
فقال الخليلي: [عن الخلال أنه: «ذكر أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبا خيثمة والمعيطي ذکروا هذا الحديث «تقتل عمارا الفئة الباغية»، فقالوا فيه: ما فيه حديث صحيح].
وهذا هو سند الرواية:
قال أبو بكر الخلال:
[أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ .. ].(11)
فمن هو إسماعيل بن الفضل هذا؟!
الجواب: الرجل مجهول، ولم أجد في مشايخ الخلَّال أحدًا بهذا الاسم، كما لم أجد في تلاميذ أبي أمية الطرسوسي أَحَدًا بهذا الاسم، فالرجل مجهول، والرواية ضعيفة!!
ومما يبين بطلانَ هَذِهِ الروايةِ أنها ذَكَرَتْ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ينكر صحة رواية الفئة الباغية!!
في حين أنه ثبت عن يحيى بن معين أنه يصحح الرواية أيضًا!
قال الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحنبليُّ:
[وقال الحاكم في “تاريخ نيسابور” : سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى العارض – وأثنى عليه – يقول: سمعت صالِح بن محمد الحافِظ – يعني: جزرة – يقول: سمعت يحيى بنَ معين وعليَّ بنَ المدينيِّ يُصَحِّحَانِ حَدِيثَ الحَسَنِ، عن أمه، عن أُمِّ سَلَمَةَ: “تقتل عَمَّارًا الفئة الباغية“].(12)
وهذا سند صحيح إلى يحيى بن معين رحمه الله! وذها يثبت بطلان رواية الخليلي عنه!!
ثامنًا: من يعود إلى الكتاب الذي استدلَّ منه الخليلي سيكتشف بنفسه فضيحة إِضَافِيَّة!!
فالخليلي نقل هذا الكلام من العلل المتناهية لابن الجوزي ج2 ص848 طبعة دار الكتب العلمية – بيروت. بتحقيق الشيخ خليل الميس، ولكنْ مَنْ يعود إلى نفس هذه الطبعة بنفس الجزء والصفحة المذكورينِ سيجد أن الشيخ خليل الميس محقق الكتاب يقول:
[قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: قد صححه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة..].
قلت: رَحِمَ الله الحَيَاءَ!
الشيخ الخليلي يعلم جَيِّدًا أَنَّ الإمامَ أحمد يُصَحِّح الحديث، ومع ذلك افترى عليه وقال إنه ضَعَّفَ الرواية وطعن في صحتها!! فالآن ماذا نقول في مفتي الأباضية الخليلي؟! هل هذا هو التحقيق العلمي الذي كان يدعو إليه؟! وهل هذه الإخوة الإيمانية التي كان يتحدث عنها في كتبه المطبوعة؟! ألم يقل بنفسه:
[فإن لِأُخُوة العقيدة حَقًّا أَصِيلًا في الربط بين أطراف المتآخين فيها حتى تندمج مشاعرهم وتذوب الفوارق بينهم فيغدوا كالشيء الواحد].(13)
فلماذا لم يعمل الخليلي بهذه الوصية النفيسة؟! أم أنها مجرد كلام يُكتب في الكتب بلا تطبيق؟!!
وفي الكلام القادم طَامَّةٌ كبرى، وهي أَطَمُّ وَأَنْكَى وأَفْجَعُ مِنْ جَمِيع ما سبق! والله المستعان!!
تَاسِعًا: افترى الخليلي على شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ افتراءً لا يفعله مَنْ لديه أدنى درجة من درجات الحياء والخجل!! فيقول الخليلي:
[وقد أشار ابن تيمية إلى عدم صِحَّتِهِ، مع حمله على معنى آخر يتفق مع هواه].(14) أهـ
فهل أشار ابنُ تيمية إلى ضَعْفِ حديثِ الفِئَةِ الباغية؟! وهل حَمَلَهُ ابْنُ تَيمِيَّةَ على غير معناه؟!
فَسَأَعْرِضُ للقارئ الكريم كلامَ شيخِ الإسلامِ، ولنتابعْ مسلسلَ كشفِ هذه الأكاذيبِ الرخيصة!
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية:
[ وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، فَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَصْحِيحُهُ].(15)
فهنا يثبت شَيْخُ الإسلامِ ابن تيمية صِحَّةَ الحديث، فكيف زعم الخليلي أنه أشار إلى ضعفه؟! وليس هذا فقط؛ بل ذَكَرَ شيخُ الإسلام أَنَّ الإمامَ أحمدَ ممن صَحَّحُوا هذا الحديثَ أيضًا، ولكنه ذَكَرَ الرواية الضعيفة الأخرى التي احتجَّ بها الخليليُّ أيضًا، وقال إِنْ صَحَّتْ هذه الروايةُ عن الإمام أحمد فهي قولٌ قديمٌ للإمامِ أحمد رحمه الله! وأَنَّ آَخِرَ أَمْرِهِ أَنَّهُ صَحَّحَ الحديثَ!!
ثم أَكَّدَ ابنُ تيمية كَلَامَه هذا مَرَّةً أُخْرَى فقال:
[وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ].(16)
ثم ننتقل إلى زعمه بأنَّ ابنَ تيميةَ حَمَلَ الحديثَ على معنى آخر يتفق مع هَوَاه!!
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية:
[وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ قَتَلُوهُ، وَأَنَّ الْبَاغِيَةَ الطَّالِبَةُ بِدَمِ عُثْمَانَ ; فَهَذَا مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الظَّاهِرَةِ الْفَسَادِ، الَّتِي يَظْهَرُ فَسَادُهَا لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ].(17)
وهنا يرد ابنُ تيمية على معاوية رضي الله عنه شَخْصِيًّا ويبين فَسَادَ تَأْوِيلِهِ حينما قال: إِنَّنَا لَمْ نقتلْ عمارَ بن ياسر، وإنما قتله الذين جاؤوا به فألقوه بين أسيافنا أو رِمَاحِنَا!!
فهل ابن تيمية تأول الحديث على غيره معناه كما زعم الخليلي؟! أَمْ أَنَّ الخليلي افترى عليه؟!
وقال ابن تيمية أيضًا:
[وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ هُمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا قَتْلَهُ. وَالْحَدِيثُ أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ ” الْبَغْيِ “.. وَلَفْظُ الْبَغْيِ إِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ الظُّلْمُ].(18)
وقال ابن تيمية أيضًا:
[وَكَذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَ قَاتِلَهُ بِأَنَّهُمُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَاتَلَ مَعَهَا، فَتَأْوِيلُهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ عَلِيٌّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ قَتَلُوا كُلَّ مَنْ قُتِلَ مَعَهُمْ فِي الْغَزْوِ، كَحَمْزَةَ وَغَيْرِهِ].(19)
فهل يدري القارئ الكريم ماذا فعل مفتي الأباضية أحمد الخليلي بالضبط؟!!!!!
الخليلي أتى بما عرضه شيخُ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ أقوال المخالفين لِيَرُدَّ عليها، فأخذ الخليلي أقوالَ المخالفين التي رَدَّ عليها ابنُ تيمية، وَنَسَبَهَا لابن تيمية زُورًا وَبُهْتَانًا وَكَذِبًا وَتَدْلِيسًا!!
ثم ذكر الخليلي هذه الردود التي قالها ابن تيمية نفسه، وكأنه يرد على ابن تيمية!!
ثم إذا وَضَّحْنَا هذه الحقائقَ للناس قال الأباضية إننا أهل فتنة!!
والسؤال الآن: هل الخليلي فعل ذلك عَمْدًا أمْ لُبِّسَ عليه وخُدِعَ من مساعديه الذين ذَكَرَهُم وشكرهم في أول كتابه وآخره؟! أم أن هؤلاء المساعدين أيضا التبست عليهم الأمور؟!
والخليلي هو رأس الأباضية وَعَالِـمُهُم وَمُفْتِيهِمْ في الوقت الحالي. فَإِذَا كان رَأْسُهُم وَمُفْتِيهِم بهذا المستوى المخيف من التدليس والجهل والبهتان؛ فكيف يكون حُال الأتباع المساكين الذين نَثَرَهُم الخليلي على الشبكة العنكبوتية ليشوهوا مَنْهَجَ أهل السنة والجماعة ويتهموه بما ليس فيه؟!
والسؤال الثاني: لماذا فتحتم موضوع حديث الفئة الباغية؟!
وهل أنا أنكرت صحة الحديث حتى تحكي كل هذه الحكايات؟! وهل قلتُ إن الحديث ليس عن معاوية وأهل الشام؟! لماذا تكلمت عن هذا الموضوع وكأني أنكر الحديث أو أنكر معناه؟!
ثم قال الخليلي:
[والحديث ظاهر – كما ترى – لا غبار على دلالته، فهو يدل على أن أهل الشام الخارجين على الإمام الشرعي بغاة وعلى رأسهم قائد فئتهم معاوية].
ولنا هنا تعليقٌ سريعٌ، هل أهل النهروان أيضا بُغَاةٌ حينما خرجوا على الإمام الشرعي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أم لا؟! وهل رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير هما رأس البغاة والخوارج أم لا؟!
وبما أَنَّ الخليليَّ تعجبه الأحاديث المتواترة ويقطع بها، فهل يعلم الخليلي أنَّ حديثَ أَمْرِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارجِ متواترٌ أَيْضًا؟! وَأَنَّ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب لهم جَاءَنا متواترًا؟!
قال الحافِظُ ابن كثير:
[الْأَخْبَارُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تُفِيدُ
الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً لِأَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً].(20)
وفي النهاية أقول للخليلي ما قاله بنفسه:
[عقيدة الإسلام تقي أتباعه الاندفاع وراء المؤثرات النفسية ودوافع الانتقام والتشفي مع هياج مشاعر الغضب، وتأجج العواطف الساخنة، لأنها تضبط حركة النفس بتأثير الإيمان بالله واليوم الآخر فلا تخرج عن حدود الاعتدال، بحيث لا يتعدى أثر رد العدوان المعتدي إلى غيره ولا يصاحبه عدوان معاكس لا على البشر ولا على غيرهم، فإن للناس حرمات وللأرض حرمات وللحيوانات حرمات وللنباتات حرمات، وهذا واضح في الإنكار على الذين لا يبالون في انتهاك هذه الحُرَم والعدوان على هذه الأجناس].(21)
وأفعالك تدل على عدم انضباطك إِيمَـانِيًّا، فلم تَرْعَ في الإمام أحمد ولا الإمام ابن تيمية إِلًّا وَلا ذِمَّةً!!
**************
وبهذا ينتهي الجزء الرابع من الرَّدِّ على الأباضي أبي الأيهم هدانا الله وإيَّاه إلى الحق، ويليه الجزء الخامس بحول الله وقوته.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
—-
فإلى دَيَّان يوم الدين نمضي ** وعند الله تجتمع الخصوم
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
صباح الاثنين يوم 18 من شوال لعام 1439 هجريا
الموافق 2 يوليو لعام 1018 ميلاديا
مراجع البحث:
(2) الْعِلَلُ المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي ج2 ص365، ط إدارة العلوم الأثرية – باكستان.
(3) السنة لأبي بكر الخَلَّال ج2 ص463، ط دار الراية – الرياض.
(4) فتح الباري لابن رجب ج2 ص494، ط دار ابن الجوزي – السعودية.
(5) السنة لأبي بكر الخلال ج2 ص463، ط دار الراية – الرياض.
(6) السنة لأبي بكر الخلال ج2 ص463، ط دار الراية – الرياض.
(7) سير أعلام النبلاء ج1 ص421، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(8) توضيح الأفكار للصنعاني ج2 ص450، ط المكتبة السلفية – المدينة المنورة.
(9) توضيح الأفكار للصنعاني ج2 ص449، 450، ط المكتبة السلفية – المدينة المنورة.
(10) منهاج السنة النبوية ج4 ص414، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – السعودية.
(11) السنة لأبي بكر الخلال ج2 ص463، ط دار الراية – الرياض.
(12) فتح الباري لابن رجب ج3 ص310، ط مكتبة الغرباء الأثرية – المدينة النبوية.
(13) القيم الإسلامية للخليلي ص49، ط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – سلطنة عمان .
(15) منهاج السنة النبوية ج4 ص414، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – السعودية.
(16) منهاج السنة النبوية ج4 ص418.
(17) منهاج السنة النبوية ج4 ص414.
(18) منهاج السنة النبوية ج4 ص418.
(19) منهاج السنة النبوية ج4 ص419.
(20) البداية والنهاية (9/ 204(.
(21) القيم الإسلامية للخليلي ص53، ط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – سلطنة عمان.