هل أمر أبو بكر الصديق بقتل عليٍّ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
زعم أحد المتأثرين بفكر الشيعة – كما يقول عن نفسه – أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أَمَرَ خالدَ بنَ الوليدِ بقتل عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تراجع عن قراره!
واستدلَّ بما ذكره أبو بكر الخلال في كتاب ” السنة ” زاعمًا صحة السند عنده!
قال الخلال:
[أخبرني محمد بن علي، قال: ثنا الأثرم، قال: سمعت أبا عبد الله، وذكر له حديث عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في علي، والعباس، وعقيل، عن الزهري، أن أبا بكر أمر خالدا في علي، فقال أبو عبد الله: كيف؟ فلم يعرفها، فقال: «ما يعجبني أن تكتب هذه الأحاديث»].
وفي هذا السند عِلَّتَانِ ظاهرتانِ يعرفهما كلُّ مَنْ لديه أدنى اطِّلَاعٍ ودرايةٍ بقواعد عِلم الحديث والرواية!
1. الانقطاع بين الإمام الزهري وبين زمن حدوث هذا الموقف على فرض صحته وحدوثه!
2. الانقطاع بين الإمام أحمد بن حنبل وبين عقيل بن خالد بن عقيل الأموي!
وإليك التفصيل:
أولا:
تقول الرواية: [وعقيل، عن الزهري، أن أبا بكر أَمَرَ خالدًا في علي].
إذا حدثت هذه القصة فلا ريب أنها ستكون قد حدثت في حياة أبي بكر الصديق، لأنه – بحسب هذه الرواية – الآمِرُ.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه توفِّيَ بعد نبيه وحبيبه ورفيق دربه بسنتين وبضعة أشهر. يعني توفي سنة 13 هجرية
الإمام الزهري رحمه الله وُلِدَ سَنَةَ 52 هجرية. أي ولد بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بـ 39 سنة.
وهذا انقطاع كبير ينسف صحة الرواية، لأن أوَّلَ شروطِ صِحَّةِ الرواية في دِين الإسلام هو اتصال السَنَد.
فهذا الخَبَرُ من مُرْسَلَات الزهري، ومراسيله ضعيفة عند علماء المسلمين!
قال الإمام الشافعي: [ رأيناه يرسل عن الضعفاء ]. وقال أيضًا: [ إرسال الزهري عندنا ليس بشيء ].
وكان الإمام يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا، ويقول هو بمنزلة الريح! أهـ.
راجع النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي ص513.
قلت (أبو عمر) : وفي الحقيقة أنا لا أرى التعلّق بالمراسيل شيئًا مفيدًا، إلا إذا ثبتت صحة المرسل من وجه آخر صحيح أو حسن!
يقول الحافظ أبو عمر بن عبد البر:
[ قال سائر أهل الفقه وجماعة أصحاب الحديث في كل الأمصار فيما علمت: الانقطاع في الأثر عِلَّةٌ تمنع من وجوب العَمَل به ].
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ج1 ص5.
ثانيا:
قد يقول قائل: لكن بقية السند موصول بما قبلها بقوله: [ وذكر له حديث عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة..].
ورغم أن هذا الكلام غير صحيح، فالسَنَدُ الذي ذُكِرَت به النقطة محل البحث قاله الخلال بلفظ: [، وعقيل، عن الزهري، أن أبا بكر أمر خالدا في علي].
فهو بالفعل من مراسيل الزهري الضعيفة.
لكننا لو فرضنا أن هذا القول صحيح فالعِلَّة الثانية لن يستطيع المعارِضُ أن يتهرّب منها، وهي الانقطاع بين عقيل بن خالد بن عقيل ، وبين الإمام أحمد بن حنبل.
فعقيل بن خالد بن عقيل الأموي مُتَوَفَّى سنة 144 هجرية، وأما الإمام أحمد فمولود سنة 164 هجرية.
فيكون بين وفاة عقيل وولادة الإمام أحمد عشرون سَنَة.
ولا شك أن الإمام أحمد لم يسمع الحديث في أول ولادته فسيمكث على الأقل 15 سنة حتى يبدأ في سماع العلم!
ولذلك لم ير الإمامُ أحمدُ كتابةَ مثل هذه الرواية، وفي هذا إشارة لضعفها وعدم صحتها.
فأين صحة السند التي زعمها هذا المتأثر بفكر الشيعة؟!
ثالثا:
لماذا يأمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقتل علي بن أبي طالب؟! وما الذنب أو الجريرة التي اقترفها عليٌّ ليأمر أبو بكر بقتله، وتاريخ عليٍّ لدينا معلوم بأسانيد صحيحة؟! وهل كان أبو بكر الصديق يقتل أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم ويفرط بأرواحهم هكذا؟! هل أبو بكر الصديق كان يتعامل بهذا الشكل المضحك مع المسلمين ودمائهم؟! فما بالكم بتعامُل الصديق مع خِيرة رجالات هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم؟! فما بالكم بأفضل رابع رجل في الأمة الإسلامية، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام والرضوان؟!
وإليكم شيء من كيفية تعامل هذين الرجلين الفاضلين أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما مع بعضهما البعض:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. صحيح البخاري ، حديث رقم 3542.
رابعًا: إذا هذا الكلام صحيحًا فلماذا يقول على بن أبي طالب على المنبر:
[ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَلَوْ شِئْتُ لَحَدَّثْتُكُمْ بِالثَّالِثِ ]. مسند أحمد ط الرسالة (2/ 224)
وقد أجاب علي رضي الله عنه بنحو هذا الجواب لما سأله ولده محمد !
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. صحيح البخاري – حديث رقم: 3671 .

والحمد لله رب العالمين ،،،،

اترك ردّاً