الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا تعليق كتبه أحد الشيعة يستدل فيه برواية أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كفَّرَ أهل الشام وعلى رأسهم معاوية رضي الله عنه!
فكتبت ردًا عليه أقول:
هذا ردي عليك وأرجو ألا تمل من قراءته!!
أما رواية تكفير عمار بن ياسر لأهل صفين، فلا تصح قطعًا!
وإليك الأدلة:
أولا:
سند الرواية غير صحيح، فقد رواها ابنُ أبي خيثمة في تاريخه (2/ 208) عَنِ الأَعْمَش، عن مُنْذِرٍ الثَّوْرِيّ، عن سَعْد بن حُذَيْفَة، قال: قال عَمَّار: [والله ما أَسْلَموا ولَكِنَّهُم اسْتَسْلَمُوا وأسرُّوا الْكُفْر حَتَّى وجدوا عليه أَعْوَانًا فأَظْهَروه].
وسعد بن حذيفة مجهول الحال، ولذلك قال الهيثمي:
[رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَسَعْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ لَمْ أَرَ مَنْ تَرْجَمَهُ]. مجمع الزوائد (1/ 308)
ومع أن ابن حبان ذكره في كتابه “الثقات” إلا أنَّ العلماء لا يعتبرون بذكر ابن حبان للمجاهيل في كتابه، كما قال الحافظ ابنُ حجر في مقدمة تقريب التهذيب.
ثانيًا:
الثابت الصحيح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه لم يكفّر أهل الشام، وإنما نهى عن تكفيرهم!
فعَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ، وَرُكْبَتِي تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: ” لَا تَقُولُوا ذَلِكَ، نَبِيُّنَا وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُنَا وَقِبْلَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ جَارُوا عَنِ الْحَقِّ، فَحَقَّ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِ “. مصنف بن أبي شيبة
ثالثًا:
لو كان معاوية ومَنْ معه كُفَّارًا؛ فكيف جَزَمَ عليُّ بن أبي طالب بأنَّ قتلى الفريقين في الجنة؟!
قال ابن أبي شيبة:
[حدثنا عمر بن أيوب الموصلي، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: سُئِلَ عليٌّ عن قتلى يوم صفين، فقال: قتلانا وقتلاهم في الجنة، ويصير الأمر إليَّ وإلى معاوية].
مصنف ابن أبي شيبة ج21 ص423
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ عَلِيٌّ، يَوْمَ الْجَمَلِ، أَوْ يَوْمَ صِفِّينَ رَجُلا يَغْلُو فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ: ” لا تَقُولُوا، إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّا بَغَيْنَا عَلَيْهِمْ، وَزَعَمْنَا أَنَّهُمْ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ” فَذَكَرَ لأَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمُ السِّلاحَ، فَقَالَ: ” مَا كَانَ أَغنَاهُ عَنْ ذَلِكَ “. تعظيم قدر الصلاة للمَروزي، ج2 ص544، ط مكتبة الدار – المدينة المنورة. حديث رقم: 517
وهذا سند مسلسل بأهل البيت عليهم السلام جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا.
رابعًا:
عمرو بن العاص كان في جيش الشام أيام صفين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ: عَمْرٌو، وَهِشَامٌ ]. مسند أحمد. فكيف يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان لرجل كافر حسب روايتك المضحكة؟!
خامسًا:
إذا كان معاوية كافرًا فكيف يتنازل الحسن بن عليَّ عن الخلافة لرجل كافر؟!
هل يجوز التنازل عن خلافة المسلمين لشخص كافر؟!
سادسًا:
كيف يكون معاوية كافرًا، وابن عباس يصفه بأنه فقيه وأنه من أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره؟!
سابعًا:
كيف يكون معاوية كافرًا أو كيف يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيموت كافرًا ويستأمنه على كتابة الوحي؟!
روى الإمام البيهقي في الدلائل:
[ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابِ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ» ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ ].
قال البيهقي:
[أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلا إِلَيَّ، فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابِ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، فَقَالَ: ” اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ].
دلائل النبوة للبيهقي (6/ 243) دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث.
وهذا سند صحيح كالشمس.
ثامنًا:
من الذي قال إن معاوية حينما وجد أعوانًا أظهر الكفر؟!
العكس هو الصحيح، فالدعوة إلى الله والفتوحات الإسلامية كانت على قدم وساق أيّام معاوية رضي الله عنه!
قال الإمام ابن كثير:
[ فَانْعَقَدَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَاجْتَمَعَتِ الرَّعَايَا عَلَى بَيْعَتِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَمْ يَزَلْ مُسْتَقِلًّا بِالْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ، وَالْجِهَادُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ قَائِمٌ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عَالِيَةٌ، وَالْغَنَائِمُ تَرِدُ إِلَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فِي رَاحَةٍ وَعَدْلٍ وَصَفْحٍ وَعَفْوٍ ].
البداية والنهاية ج11 ص400، ط دار هجر – الجيزة.
تاسعًا:
منذ متى وعمر بن الخطاب يعطي ولاية أمور المسلمين للمنافقين والكفّار، ولماذا سكت عمار حينما ولّى عمر بن الخطاب معاوية؟!
وأخيرًا، حاشا لعمار رضي الله عنه أن يكفِّر معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ومن معهم من المسلمين.
ولم أقف على رواية صحيحة تثبت عن أيِّ صحابيٍّ أنه كفَّر صحابيًا آخرَ.
والحمد لله رب العالمين ،،،،