الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد سألني أحد الإخوة عن قصة الصحابي ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري التي رواها الحافظ أبو نعيم في كتابه “معرفة الصحابة”، قال:
[ حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب الجرجرائي، ثنا موسى بن هارون، ومحمد بن الليث الجوهري، قالا: ثنا سليم بن منصور بن عمار، ثنا أبي، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر، ” أن فتى، من الأنصار، يقال له ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة، فمر بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر إليها النظر، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج هاربا على وجهه، فأتى جبالا بين مكة والمدينة، فولجها، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلاه، ثم إن جبريل نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن الهارب من أمتك بين هذه الجبال، يتعوذ بي من ناري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا عمر، ويا سلمان، انطلقا، فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن ” . فخرجا في أنقاب المدينة، فلقيهما راع من رعاء المدينة، يقال له ذفافة، فقال له عمر: يا ذفافة، هل لك علم بشاب بين هذه الجبال ؟ فقال له ذفافة: لعلك تريد الهارب من جهنم ؟ فقال له عمر: وما علمك أنه هرب من جهنم ؟ قال: لأنه إذا كان في جوف الليل، خرج علينا من بين هذه الجبال واضعا يده على أم رأسه، وهو يقول: يا رب، ليت قبضت روحي في الأرواح، وجسدي في الأجساد، ولا تجردني في فصل القضاء . قال عمر: إياه نريد . قال: فانطلق بهم ذفافة، فلما كان في جوف الليل، خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعا يده على أم رأسه، وهو يقول: يا ليت قبضت روحي في الأرواح، وجسدي في الأجساد، ولم تجردني لفصل القضاء . قال: فعدا عليه عمر، فاحتضنه، فقال: الأمان الأمان، الخلاص من النار . فقال له عمر بن الخطاب: أنا عمر بن الخطاب . فقال: يا عمر، هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبي ؟ قال: لا علم لي، إلا أنه ذكرك بالأمس، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلني وسلمان في طلبك . فقال: يا عمر، لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي، أو بلالا يقول: قد قامت الصلاة . قال: أفعل . فأقبلوا به إلى المدينة، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة، فبدر عمر وسلمان الصف، فما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ” يا عمر، ويا سلمان، ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن ” ؟ قالا: ها هو ذا يا رسول الله . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه، فقال: ” يا ثعلبة ” . قال: لبيك يا رسول الله . فنظر إليه، فقال: ” ما غيبك عني ” ؟ . قال: ذنبي يا رسول الله . قال: ” أفلا أدلك على آية تمحو الذنوب والخطايا ” ؟ قال: بلى، يا رسول الله . قال: ” قل: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ” . قال: ذنبي أعظم يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” بل كلام الله أعظم ” . ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله، فمرض ثمانية أيام، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل لك في ثعلبة ؟ فإنه لما به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قوموا بنا إليه ” . فلما دخل عليه، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فوضعه في حجره، فأزال رأسه عن حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لم أزلت رأسك عن حجري ” ؟ قال: إنه من الذنوب ملآن . قال: ” ما تجد ” ؟ قال: أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي . قال: ” فما تشتهي ” ؟ قال: مغفرة ربي . قال: فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ربك يقرئك السلام، ويقول: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة للقيته بقرابها مغفرة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفلا أعلمه ذلك ” ؟ قال: بلى . قال: فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فصاح صيحة، فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه، وصلى عليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله، فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تمشي على أطراف أناملك . قال: ” والذي بعثني بالحق، ما قدرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة من نزل لتشييعه من الملائكة ]. معرفة الصحابة ج1 ص498، ط دار الوطن – الرياض.
فرددتُ على الأخ السائل أقول:
————————————–
حياك الله أخي الكريم
هذه الرواية لا تصح من جهة إسنادها، فقد رواها أبو نعيم في كتابه “حلية الأولياء” وكتابه ” معرفة الصحابة “، وغيره، وهذا الإسناد لا يصح للعلل الآتية:
1. أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب الجرجرائي: مُتهم بوضع الحديث.
2. سليم بن منصور بن عمار: ضعيف الحديث.
3. منصور بن عمار أبو سليم: ضعيف الحديث أيضًا.
4. المنكدر بن محمد بن المنكدر: لين الحديث.
وقد ضَعَّفَهَا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلاني في كتابه “الإصابة”، فقال:
[ قال ابن مَنْدَه بعد أن رواه مختصرًا: تفرد به منصور. أهـ ، قلتُ: وفيه ضَعْفٌ، وشيخه أضعف منه، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول { ما ودعك ربك وما قلى } كان قبل الهجرة بلا خلاف ]. الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 405).
ولذلك ذكر ابنُ الجوزي هذه القصة في كتابه ” الموضوعات”، كما ذكرها السيوطي في ” اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة “، كما ذكرها ابن عِراق الكناني في كتابه ” تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة “، وهذه الكتب جميعًا كتب متخصصة في بيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة والباطلة.
ومع الأسف، فقد روّج بعضُ الدعاة لهذه القصة ظَنًّا منهم أنها صحيحة، والله المستعان !!
وينبغي على المشايخ والدعاة أن يتحروا صحيح سير الصحابة رضي الله عنهم ولا ينقلوا جميع ما جاء في الكتب بلا تمحيص ولا تنقيح ولا تحقيق.
والحمد لله رب العالمين ،،،،