سؤال حول علم الناسخ والمنسوخ

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد سألني أحد غير المسلمين سؤالًا يتعلق بمسألة النسخ في القرآن الكريم فقال:

ask.naskh

فرردت عليه بحول الله وقوته أقول:

إذا كنتَ تبحث عن الحقيقة فأرجو أن تقرأ كلامي كاملا لأنه سيزيل الإشكال لديك تمامًا بإذن الله.
وأما إذا كنت تريد الاستهزاء فقط فلا داعي لتضييع وقتك ووقتي!
أولا: شوف يا أستاذ، قوله تعالى: { ما يبدل القول لديَّ } السياق فيها لا يتحدث عن القرآن الكريم أصلًا.
وإنما هذه الآية تتحدث عن وعيد الله للكفار حينما يدخلون النار، كما جاء قبلها يقول سبحانه للملائكة: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)}. سورة ق.
فواضح من قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (*) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } أن الآية تتحدث عن الكافرين حينما يدخلون النار ويختصمون مع شياطينهم في النار، فيقول الله لهم إنه قد توعَّدهم بالنار إذا كفروا، وأن وعيده هذا لن يتبدل، { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}.
ولذلك قال بعدها: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. أي أني لم أظلمكم حينما أدخلتُكم النار. فلماذا يا عزيزي تأتي بآية تتحدث عن عدم تبديل الله لقوله في الوعيد للكافرين وتذكرها في سياق عدم تبديل آيات القرآن الكريم؟!
ثانيا: قوله تعالى: {ولا مبدل لكلمات الله}. لو حضرتك قرأت أولَ الآية وآخِرَها لعلمتَ يقينًا أن الآية لا تتحدث عن القرآن الكريم، وهذه الآية كاملة: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}.
إذًا فقوله تعالى: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} جاء بعد قوله عن المرسلين: {وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}، فالآية هنا تتحدث عن وعد الله للرسل أنه سينصرهم بعد صبرهم على تكذيب قومهم وإيذائهم لهم.
فلماذا يا عزيزي تأتي بآية تتحدث عن وعد الله للرسل بنصرهم وتذكرها في سياق عدم تبديل آيات القرآن الكريم؟! هل حضرتك تعمدت ذلك أم أنك لا تعلم بالفعل؟!
ثالثا: الآية تقول: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ }، أي لا يستطيع أَحَدٌ أن يبدِّلَ كلامَ الله، فهل هذا الكلام ينطبق أيضًا على الله نفسه؟! حينما يقول الله سبحانه إن البشر لا يستطيعون تبديل كلامه، فما علاقة هذا بالله سبحانه وتعالى؟! أليس الله يقول في القرآن الكريم: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: 101].
فالله سبحانه وتعالى أثبت بهذه الآية أنه يُبَدِّل الآيات، وهذا له حِكَمٌ عظيمة معروفة ومبثوثة في الكتب، وأيضا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].
فالقرآن لا يتناقض مع بعضه أبدًا لأنه تنزيل العزيز الحكيم جل جلاله.
رابعا: النسخ في التشريعات الإسلامية له حكم عظيمة كما أشرت سابقًا، ولو حضرتك كَلَّفْتَ نفسك أن تبحث عنها لعلمت يقينًا أن هذا القرآن منزّل من عند الله تبارك وتعالى، فقد ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها حكمة عظيمة من هذه الحِكَمِ فقالت: [ إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المُفَصَّل، فيها ذِكْرُ الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نَزَلَ الحلالُ والحرامُ، ولو نزل أوَّلَ شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبدًا، ولو نزل: لا تَزْنُوا، لقالوا: لا نَدَعُ الزِّنا أبدًا ]. صحيح البخاري – حديث: 4993
ومن هذا الكلام يتبين أن الله سبحانه وتعالى أنزل التشريع إلى خلقه بالتدريج حتى لا ينفروا منه، فلم ينزل سبحانه الحلالَ والحرامَ في أول الدعوة الإسلامية، ولكن بعد تغلغل الإيمان في قلوب المسلمين بدأت التشريعات والأحكام والحلال والحرام في النزول.
مثال: هل الطبيب إذا جاء إليه مريض بعدة أمراض يعالج جميع أمراضه مرة واحدة؟! أم يعطيه دواءً يعالج به مرضًا أو مرضينِ، ثم بعد فترة يقول الطبيب للمريض: اترك العلاجَ الأول، وخذ هذا العلاج الجديد؟!
فهل يقال إن هذا الطبيب يستهزئ بالمريض لأنه تعامل مع بهذه الطريقة أم يقال إن هذا الطبيب حكيم وصاحب حكمة عظيمة؟!

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ،،،،

 

تعليق واحد

اترك ردّاً