الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد
فيستدل النصارى بنصوص من سفر اشعياء 53 للدلالة على أن المسيح قد ذُكِرَ في العهد وأنه سيموت مصلوبًا عن البشرية !!
فاستعنت بالله وكتبتُ رادًّا على هذا الكلام أقول:
أولا: النص لم يذكر اسمَ المسيح عليه السلام من قريب أو من بعيد!
فالكلام إذًا سيكون من خلال الأوصاف التي وردت في هذا النص، فعلينا أن نفحص هذه الأوصاف ونقارنها بسيرة المسيح الحقيقية لنعرف هل اشعيا 53 يتحدث عنه أم لا !!
ثانيًا: إذا تأملنا الأوصاف التي جاءت في هذا النص فسنجد أنها ليست أوصافًا للمسيح عليه السلام بحسب ما جاء في العهد الجديد!
وأرجو أن تركز معي جيدًا في الفروقات الواضحة بين ما جاء في هذا الأصحاح وبين سيرة المسيح:
• الفرق الأول: المذكور في اشعيا 53 لم يفتح فمه وهو يُسَاق إلى الذبح، كما قيل عنه: [ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ]. بينمـا يسوع لم يسكت حينما ضربه أحد الـخُدَّام بل: [ أجابه يسوع: إن كنت قد تكلمتُ رديّا فاشهد على الردي، وإنْ حَسَنًا فلماذا تضربني؟! ]. يوحنا 18 – 23.
• الفرق الثاني: المذكور في اشعيا 53 قيل عنه: [ لَا صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ ]!
بينما النبوءة في مزمور 45 – 2 التي تقولون إنها تخص المسيح تقول: [ أنت أبرع جمالًا من بني البشر ]!!
فكيف يكون المسيحُ أبرعَ جمالًا من بني البشر، وهو في نفس الوقت ليس لديه جمال فننظر إليه ولا منظر فنتشهيه؟!
• الفرق الثالث: المذكور في اشعيا 53 قيل عنه: [ مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ ]. فمن هو المحتقر المخذول من الناس؟! هل الناس كانوا يحتقرون المسيح؟! جاء في إنجيل متى 21 – 10 أن يسوع [ لما دخل أورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة من هذا؟! فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل ].
وجاء في إنجيل لوقا 7 – 16 أن المسيح لما قام بمعجزة شفاء الميت بأمر الله، [ أخذ الجميعَ خوفٌ ومجدوا اللهَ قائلين قد قام فينا نبي عظيم ].
فالناس بعدما صنع المسيح لهم المعجزة مَجَّدُوا اللهَ وقالوا إن يسوع نبي عظيم!
بل يُحَدِّثُنا إنجيل متى 21 – 8 أن أغلب الناس لما رأوا المسيح فرشوا ثيابهم في الطريق تحت قدميه ليمشي عليها فلا تمس رجله الأرض. ويقول النص أيضا إن الآخرين قطعوا أغصانًا من الشجر وفرشوها في الطريق!!
فهل هذه تصرفات يصنعها الناسُ مع شخص مُحْتَقَر ومخذول؟! يزعم النصارى أن المسيح كان محتقرًا ومخذولًا من الناس؟! في حين أن العهد الجديد يؤكد أن الناسَ كانوا يحترمونه ويوقرونه ويبجلونه؟!
• الفرق الرابع: المذكور في اشعيا 53 قيل عنه: [رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ ].
فمن هم الذين لم يَعْتَدُّوا بالمسيح؟! هل النصارى لا يَعْتَدُّون بالمسيح؟! هل المسلمون هم الذي لا يَعْتَدُّون بالمسيح؟!
اليهود فقط هم الذين لا يَعْتَدُّون بالمسيح، وهم قِلَّة قليلة لا تساوي شيئًا حتى يُضْرَبَ بهم المثالُ في هذا النص!
• الفرق الخامس: المذكور في اشعيا 53 قيل عنه: [ لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا ]. وعندي سؤال بهذا الصدد: ما هي الأحزان والأوجاع التي حملها المسيح عنَّا؟! وكيف يتحمل يسوع عنا الخطايا؛ والله نفسه يقول في سفر حزقيال 18 – 20: [ اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ ]. فكيف تحمّل يسوع عنا خطايانا، والله يقول لا أحد يتحمَّل خطيةَ أحد؟!
• الفرق السادس: المذكور في اشعيا 53 قيل عنه: [ وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا ومَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا ]. فهل المسيح مذلول ومُصَاب ومضروب من الله؟!
أسألك بالله هل هذا كلام يقبله العقلاء؟! هل الله أرسل المسيح ليذله ويضربه أم لِيُمَجِّدَه ويحفظه ؟!
أليس المزمور 91 يتحدث عن المسيح كما جاء في متى 4 – 6: [لأنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ]. ولو رجعنا إلى المزمور 91 لوجدناه يقول: [ 11 لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. 12 عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. 13 عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ. 14 «لأنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. 15 يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. 16 مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي»].
تأمل معي جيدًا: الله أوصى الملائكة بالمسيح لكي يحفظوه في جميع الطرق وسيحملونه على أيديهم حتى لا تصطدم رِجْلُهُ بِحَجَر!، وكذلك سينجيه الله ويرفعه ويمجّده وينقذه ويستجيب له في يوم الضيق!!
فهل ترى بالفعل أن الله أذلّ المسيح وضربه وأصابه؟! أم حفظه وأنجاه ورفعه وأنقذه؟!
• الفرق السابع: النص يقول: [ كلنا كغنم ضللنا ]. وهذا الكلام غير صحيح، فالعهد القديم والجديد يتحدثانِ عن كثير من الصالحين الأبرار الذين لم يضلوا ولم يضلوا ولم يَعملوا أيَّ خطية!
فيقول كاتب سفر العدد: [… كالب بن يفنّة القنزي ويشوع بن نون لأنهما اتبعا الرَّبَّ تماما ].
فهذان الرجلان متبعانِ للرب ولم يحيدا عن شيء من أوامره.
ويقول سفر التكوين عن نبي الله نوح: [ كان نوح رَجُلًا بَارًّا كاملا في أجياله. وسار نوح مع الله ]. تكوين 6 – 9
ويقول إنجيل لوقا عن زكريا وزوجته إليصابات: [ وكانا كلاهما بارَّيْنِ أمام الله سالكينِ في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم ]. لوقا 1 – 6
هذه بعض الأوصاف المختلفة بين النص في اشعياء 53 وبين أوصاف المسيح، ولم أكمل بقية الاختلافات حتى لا أطيل أكثر من ذلك.
فلا تزال هناك فروقاتٌ أخرى كثيرةٌ بين النص المذكور في اشعياء 53 وبين سيرة يسوع المسيح بحسب العهد الجديد!
وعليه فلا يمكن أن يكون نص اشعياء 53 يتحدث عن المسيح بأي شكل من الأشكال!
ولذلك اضّطرَّ كاتب سفر أعمال الرسل إلى تحريف نص اشعياء 53 حينما كان يقتبس منه في عدة مواضع!!
فلو قرأت إشعياء 53 والنص المنقول عنه في سفر أعمال الرسل ستجد أن النعجة في سفر إشعيا تحولت في أعمال الرسل إلى خروف، وقوله”من الضغطة، ومن الدينونة أُخذ” أصبحت: “في تواضعه انْتُزِعَ قضاؤه”.
هل يمكن أن يخبرنا النصارى لماذا قام كاتب سفر أعمال الرسل بتحريف نص اشعياء عند اقتباسه؟!
ثالثا: العمل الذي أعطاه اللهُ للمسيح قد اكتمل قبل صَلْب المسيح كما جاء في إنجيل يوحنا 17 – 4 حيث قال المسيح مخاطبًا الله: [ أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ ].
فكيف نقول إن المسيح جاء لكي يصلب بينما المسيح قبل عملية الصلب يقول إن عمله قد اكتمل؟!
رابعًا: الاستدلال بهذه النصوص على أن المسيح افتدانا وحمل خطايا البشرية يخالف كلام الرب في الكتاب المقدس بشكل فَجٍّ وصريح !!
فيقول النص: [ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا ]، وهذا الكلام يخالِف ما جاء في سفر حزقيال: [ النفس التي تخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون ، وشر الشرير عليه يكون ]. حزقيال 18 – 20
فالكتاب يقرر صراحة أنه لا أحد يحمل عن أحد خطيته! فكيف يزعم النصارى أن المسيح حمل عنهم خطايانا والكتاب نفسه ينسف هذه العقيدة ويهدمها تمامًا؟!
خامسا: هناك مقطع فيديو لحاخام يهودي يتحدث عن اشعياء 53 ويقول بصريح العبارة إن هذه النصوص ليس لها علاقة بالديانة المسيحية (النصرانية)!
https://www.youtube.com/watch?v=i-TaYTzMAvU
فاليهود أصحاب التوراة أنفسهم يعتقدون أن هذا النص يتحدث عن شعب إسرائيل، والخلاصة أن النصارى ليس لديهم دليل واضح صريح على أن هذه النصوص تتحدث عن المسيح.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
بارك اللّه فيك شيخنا الحبيب