الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد احتج أحد الرافضة برواية رواها الحاكم في مستدركه، قال:
ولأن الرافضي يعلم أن علي بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث؛ فاحتج علينا بمتابعة حميد الطويل المذكورة في الرواية!
وزعم الرافضي صحة الرواية وتحدى هذا الرافضي إثبات وجود الضعف في هذه الرواية، فقال:
[أتحداك أن تثبت ضعفا في السند. وإن كنت ستقول “علي بن زيد” ضعيف. فقد توبع من الراوي حميد الطويل وكانت رواياته عن أنس صحيحة حتى لو لم يصرّح بالتحديث]. أهـ
فأقول وبالله التوفيق:
أولا: في جميع مصادر أهل السنة جاء سند الرواية عن علي بن زيد بن جدعان فقط!!
والحاكم في مستدركه فقط هو الذي يذكر حميد الطويل كمتابع لابن جُدعان!
[حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، يَقُولُ: ” الصَّلَاةُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ].
المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 187) حديث رقم: 4812.
قلت: وهذا من عمل محمد بن عبد الله بن محمد بن زياد، أبي بكر النيسابوري الحفيد.
فقد اتفق جميع الرواة عن حماد بن سلمة برواية هذه الرواية عن علي بن زيد بن جدعان وحده، وخالفهم أبو بكر الحفيد فأضاف إلى السند حميد الطويل!!
وإليك التفصيل:
1. أسود بن عامر(شاذان):
• قال الإمام أحمد: [حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك….]. مسند أحمد ج21 ص273، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
2. عَفَّان بن مسلم الباهلي:
• قال الإمام أحمد: [حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا علي بن زيد، عن أنس بن مالك ….]. مسند أحمد ج21 ص434، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
3. أبو داود الطيالسي:
• قال في مسنده: [حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس….]. مسند الطيالسي ج3 ص539، ط دار هجر – مصر.
4. إبراهيم بن الحجاج السامي:
• قال أبو يعلى الموصلي: [حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد، عن أنس….]. مسند أبي يَعلَى ج7 ص59، ط دار المأمون للتراث – دمشق.
5. روح بن عبادة القيسي:
• قال الإمام الطحاوي: [حدثنا ابن مرزوق، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس ….]. شرح مشكل الآثار ج2 ص248، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
6. موسى بن إسماعيل، أبو سلمة التبوذكي:
• قال ابن أبي خيثمة: [حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن أنس بن مالك ….]. التاريخ الكبير ج2 ص625، ط الفاروق الحديثة – القاهرة.
7. حجاج بن المنهال الأنماطي:
• قال الإمام الطبراني: [حدثنا علي بن عبد العزيز وأبو مسلم الكشي، قالا: ثنا حجاج بن المنهال، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس بن مالك….]. المعجم الكبير ج3 ص56، ط مكتبة ابن تيمية – القاهرة.
8. يحيى بن سلام التميمي:
• قال في تفسيره: [وحدثني حماد، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك….]. ج2 ص717، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
9. هدبة بن خالد القيسي:
• قال ابنُ أبي عاصم: [حدثنا هدبة بن خالد، نا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس….]. الآحاد والمثاني ج5 ص360، ط دار الراية – الرياض.
10. عبيد الله بن محمد العيشي:
• قال ابن شاهين: [حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، ثنا عبيد الله بن محمد العيشي، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك ….]. فضائل فاطمة ص32، ط دار ابن الأثير – الكويت.
11. محمد بن بكر البرساني:
• قال الإمام الطبري: [حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس….]. تفسير الطبري ج19 ص102
فهؤلاء أحد عشر تلميذًا من تلاميذ حَمَّادِ بن سَلَمَةَ، وجميعهم يَرْوُون الروايةَ عن حماد، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس! ولم يخالفهم إلا أبو بكر الحفيد كما في رواية الحاكم في المستدرك، فأضاف حميدًا إلى الإسناد!!
وأبو بكر الحفيد لم أجد أحدًا وثقه من أهل العلم، وأرى أن إضافة حميد إلى الإسناد وقعت منه.
وعلى فرض أن أبا بكر الحفيد ثقة؛ فقد خالف جميعَ تلاميذِ حماد بن سلمة!
وقد رواها أبو بكر الحفيد عن الحسين بن الفضل البجلي، قال: ثنا عفان بن مسلم…. إلى آخره.
والثقات الذين رووها عن عفان غير الحفيد لم يذكروا حميدًا في السند، مثل أحمد بن حنبل، وعَبْدِ بنِ حُمَيْد في مسنديهما.
فإضافة حميد في السند انفرد بها أبو بكر الحفيد، وعليه فهذه إضافة شاذة أو منكرة.
فانظر أخي القارئ الكريم إلى بؤس الرافضة وقلة حيلتهم، وكيف يحتجون بالشاذ والمنكر والضعيف لإثبات عقائدهم!!
فالحمد لله الذي عافانا من هذا المنهج البائس ومن الانتساب إليه.
والخلاصة أنَّ الصواب أن الرواية عن أنس بن مالك لم تُرْوَ إلا علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف الحديث.
ثانيا: هناك متابعة رواها الطبري في تفسيره قال:
[حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، قَالَ: رَابَطْتُ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ» {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ” حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ].
وهذا السند لا ينبغي لعاقل أن يقبله، فيونس بن أبي إسحاق السبيعي يرويه عن أبي داود الأعمى، نُفَيْع بن الحارث الهمداني الكوفي، وهو من غلاة الرافضة، كان يكذب ويضع الحديث!
ثالثًا: ماذا يضر أهلَ السنة في قبول هذه الرواية؟! هل يضرهم شيء؟!
لا والله، لا يضرهم شيء!! فعلى فرض صحة الرواية فهي لا تقدم ولا تؤخر شيئًا عند أهل السنة، فجميعُ أهلِ السنةِ يؤمنون أن فاطمة عليها السلام والرضوان من أهل البيت، وحديث الكساء يرويه أهلُ السنة في صحاحهم، وهو كافٍ عندهم لإثبات كونها من أهل البيت، فكان ماذا؟!
رابعًا: بعد استدلال الرافضة بهذه الرواية على كون فاطمة من أهل البيت يبدؤون ولابد في إخراج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من مصطلح أهل البيت!! مع أن دخول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ثابت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة في القرآن الكريم!!
فقال الله تعالى لنساء نبيه عليه الصلاة والسلام:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. (الأحزاب: 33).
والسياق واضح وضوح الشمس أن المقصود بقوله: {أَهْلَ الْبَيْتِ} هم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سبحانه في الآية التي قبلها:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. (الأحزاب: 32).
ثم بعدها يأمرهن سبحانه وتعالى بنقل ما يتلى في بيوتهن من آيات وسنة نبيه، فيقول لهن:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.
ومما يدل على نساء النبي هم أهل بيته ما جاء في سورة هود، فلما بشرت الملائكةُ سارةَ زوجةَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ بأنها ستلد إسحاق تعجبت، فجاءها الجواب من الملائكة، كما قال تعالى:
{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. (سورة هود: 73)
فحينما خاطبت الملائكة سارة ووصفتها بأنها: {أَهْلَ الْبَيْتِ}، لم تكن سارة قد ولدت إسحاق، وكانت وحدها في البيت مع زوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فحينما نادتهم الملائكة بـ: {أَهْلَ الْبَيْتِ}، كانت هذا النداء موجهًا لإبراهيم وسارة فقط.
وهذا دليل واضح أن زوجات الرجل هُنَّ أهل بيته بلا مِراء.
ومن السنة النبوية الصحيحة نذكر أنه حينما رُمِيَتْ أمُّ المؤمنين عائشةُ عليها السلام والرضوان بالإفك، وَقَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ، وقال: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا….]. صحيح البخاري حديث رقم 4750.
بل حينما أخبر الصحابي زيد بن أرقم التابعين الثلاثة يزيد بن حيان، وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي]. سأله حصين قائلا: [وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟] قَالَ له زيد بن أرقم: [نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ…].
صحيح مسلم برقم: 36 – (2408)
فلا شَكَّ ولا مِرَاءَ أن نِسَاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أهل بيته.
وهذان دليلانِ واضحانِ من كِتاب الله، ودليلان واضِحَانِ من سُنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
والحمد لله رب العالمين ،،،،،