الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
هذه صورة نشرها أحدُ الرافضة من تفسير الكشف والبيان للثعلبي ليدلل بها على استحقاق علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرةً !
وإليك الجواب:
أولا:
كعادة الرافضي، اجتزأ قطعة من كلام الثعلبي مُوْهِمًا نفسَه أنه الحقُّ المبين.
مع أنَّ الثعلبيَّ نفسَه ذكر عِدة أسباب لنزول الآية قبل وبعد الجزء الذي قام الرافضي بتلوينه باللون الأصفر !!
لكني لن أتكلم عن هذه الجزئية، بل سأتوجه بالنقد والنقض للكلام الذي لونه الرافضي واستدلَّ به !
بدأ الرافضي بقول الثعلبي: [ وقال أبو جعفر محمد بن علي : معناه : بلّغ ما أنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب ، فلما نزلت الآية أخذ ( عليه السلام ) بيد علي ، فقال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
أقول:
أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الملقب بالباقر.
وإذا صَحَّ هذا عنه فهو لا يخدم الرافضة في شيءٍ البتة، إذ غاية ما فيه أنه يدل على فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمسلمون لا ينكرون فَضْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بل يقرون فضائله الصحيحة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذْ لا يُنْكِرُ فَضَائِلَه الصحيحةَ إلا ناصبيٌّ خَبِيْثٌ.
وقوله عليه الصلاة والسلام: { من كنت مولاه فعلي مولاه }. ثابت من طريق صحيح.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حَنَشُ بنُ الْحَارِثِ بنِ لَقِيطٍ النَّخَعِيُّ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِيَاحِ بنِ الْحَارِثِ، قَالَ: جَاءَ رَهْطٌ إِلَى عَلِيٍّ بالرَّحْبَةِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَانَا. قَالَ: كَيْفَ أَكُونُ مَوْلَاكُمْ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ؟ قَالُوا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ: ” مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَإِنَّ هَذَا مَوْلَاهُ ” قَالَ رِيَاحٌ: فَلَمَّا مَضَوْا تَبِعْتُهُمْ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وهذا إسناد صحيح كما قال محققو المسند.
والولاية هنا ولاية المحبة والنصرة، وليست ولايةَ الحُكْمِ والخلافة، إذْ لو كان المقصود بالولاية هنا الحكم والخلافة لَادَّعَى عليٌّ رضي الله عنه الخلافة لنفسه، وهذا لم يحدث قط !
بل صَحَّ عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال عن الخلافة: { وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }. وقد رواه موسى بن عُقْبِةَ في مغازيه ص336 بإسناد صحيح متصل رجاله ثقات.
ولكننا في نفس الوقت نطالب الرافضيَّ المستدلَّ بقول أبي جعفر رحمه الله أنْ يَأْتِيَ لنا بسندٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ إِلَى أبي جعفر يقول فيه هذا الكلام !
فالثعلبي هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الثعلبي ، قال الذهبي: تُوُفِّيَ الثَّعْلَبِيّ:فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. سير أعلام النبلاء (17/ 437).
وأبو جعفر محمد الباقر يقول عنه الذهبي: [ مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ … وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ ]. سير أعلام النبلاء (4/ 409)
وهذا يعني أن بينهما من الانقطاع ما لا يقل عن ثلاثة قرون كاملة !!
أكثر من 300 سنة من الانقطاع لم تمنع الرافضيَّ من الاستدلال بقول ضعيف كهذا !!
وأول شروط قبول الرواية في دين الإسلام هي اتصال الإسناد !!
وحتى نأتي على الرافضي من القواعد نضع له ما يثبت أن الرافضة هم أَشَدُّ أعداءِ أهلِ البيت عليهم السلام.
فهذا كلام جعفر الصادق وأبيه محمد الباقر عليهما السلام:
قال الذهبي: [ عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَهُ جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالاَ لِي: يَا سَالِمُ، تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.
قال الذهبي: كَانَ سَالِمٌ فِيْهِ تَشَيُّعٌ ظَاهِرٌ، وَمعَ هَذَا فَيَبُثُّ هَذَا القَوْلَ الحَقَّ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ ذُوْ الفَضْلِ، وَكَذَلِكَ نَاقِلُهَا ابْنُ فُضَيْلٍ شِيْعِيٌّ، ثِقَةٌ، فَعَثَّرَ اللهُ شِيْعَةَ زَمَانِنَا، مَا أَغْرَقَهُمْ فِي الجَهْلِ وَالكَذِبِ!
فَيَنَالُوْنَ مِنْ الشَّيْخَيْنِ، وَزِيْرَيِ المُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَحْمِلُوْنَ هَذَا القَوْلَ مِنَ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَى التَّقِيَّةِ.
وَرَوَى: إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَتَوَلاَّهُمَا، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَمَا أَدْرَكْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ وَهُوَ يَتَوَلاَّهُمَا ]. سير أعلام النبلاء (4/ 402)
ثانيا:
قال الثعلبي: [ أبو القاسم يعقوب بن أحمد السري ، أبو بكر بن محمد بن عبد اللّه بن محمد ، أبو مسلم إبراهيم ابن عبد اللّه الكعبي ، الحجاج بن منهال ، حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال:
لما نزلنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كنّا بغدير خم فنادى إن الصلاة جامعة وكسح رسول اللّه عليه الصلاة والسلام تحت شجرتين وأخذ بيد علي ، فقال : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟
قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : « ألست أولى بكل مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : « هذا مولى من أنا مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه » .
قال : فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ]. وهذا سند ضعيف فيه علي بن زيد بن جُدْعَان.
• قال علي بن المديني: هو ضعيف عندنا.
• قال أبو حاتم الرازي: ليس بقويٍّ ، يُكْتَبُ حديثه ولا يُحْتَجُّ به.
• قال أحمد بن حنبل: ليس بالقوي ، ومرة قال: ليس بشيء ، ومرة قال: ضعيف الحديث.
• قال يحيى بن معين: ليس بذاك القوي ، ومرة قال: بصري ضعيف ، ومرة قال: ضعيف في كل شيء .
ولهذا حَكَمَ حُفَّاظُ الحديثِ وأئمة الصنعة على الرواية بالضعف.
• قال البوصيري: [ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مَدَارُهُ إِمَّا عَلَى أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، أَوْ عَلَى ابْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ]. إِتْحَاف الخِيَرَةِ الْمَهَرَة ج9 ص282.
• قال الألوسي: [ وهذا ضعيف، فقد نصوا أن على بن زيد وأبا هرون وموسى ضعفاء لا يُعْتَمَدُ على روايتهم ]. روح المعاني – الألوسي (6/ 194)
• قال ابنُ كثير: [ وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ – وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ – عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِهِ ]. البداية والنهاية (7/ 670).
لا يفوتني أنْ أنبِّهَ أن قوله عليه الصلاة والسلام: { من كنت مولاه فعلي مولاه }. ثابت من طريق صحيح كما أشرنا من قبل. وأما اللفظ الضعيف الْـمُنْكَر فهو الذي تَفَرَّدَ بِهِ ابنُ جُدْعَانَ فقط عن الرواة الثقات الآخرين.
لكن ماذا إذا صحت الرواية ؟!
أقول: إِذَا صَحَّتْ هذه الروايةُ فليس لها علاقة بالمُلْكِ والحُكْمِ والخلافة على الإطلاق، لأن عَلِيًّا رضي الله عنه لم يَدَّعِ الخلافةَ لنفسه قَطُّ في زمانِ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ونحن إِذْ نُفَسِّرُ الولايَةَ أو الموالاةَ هنا بالمَحَبَّةِ والنُّصْرَةِ نجعلها مستمرةً إلى يوم القيامة، في حين أنها إذَا فُسِّرَتْ بالخلافة فهذا يعني أنها انقضت بموت علي رضي الله عنه وانتهاء خلافته.
فبانتهاء خلافته ليس هناك ولاية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه اليوم على أحد !
وعلي بن أبي طالب قام ببيعة أبي بكر كما في رواية موسى بن عقبة في مغازيه التي ذكرناها منذ قليل، كما أن عَلِيًّا بايع عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا.
ثالثا:
روى أبو محمد عبداللّه بن محمد القايني نا أبو الحسن محمد بن عثمان النصيبي نا : أبو بكر محمد ابن الحسن السبيعي نا علي بن محمد الدّهان ، والحسين بن إبراهيم الجصاص قالا نا الحسن بن الحكم نا الحسن بن الحسين بن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الرسول بلغ ( قال : نزلت في علي ( رضي الله عنه ) أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبلغ فيه فأخذ ( عليه السلام ) بيد علي ، وقال :
( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ) .
وهذا إسناد ساقط مظلم !
1. الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مجهول الحال.
2. حيان بن علي العنزي: ضعيف الحديث.
3. محمد بن السائب بن بشر، أبو هشام الكلبي: مُتَّهَمٌ بالكذب.
4. أبو صالح، باذام الكوفي: ضعيف الحديث. قال يحيى بن معين: كوفي ضعيف ، يحدث عن ابن عباس ، ولم يسمع منه ، ولم يره … وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء ].
تنبيه:
قوله: [ نا الحسن بن الحسين بن حيان عن الكلبي ] خطأ ، وصوابه [ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ حَيَّانَ عن الكلبي ].
رابعا:
تفسير الثعلبي مشهور عند العلماء أنه يجمع الضعيف والمكذوب من الروايات.
• قال شيخ الإسلام:
{ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ يَرْوِي طَائِفَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ تِلْكَ السُّورَةِ، وَكَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: ” هُوَ كَحَاطِبِ لَيْلٍ }. منهاج السنة النبوية ج7 ص12
وقال أيضًا:
{ وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ الْغَثُّ وَالسَّمِينُ فَإِنَّهُ حَاطِبُ لَيْلٍ }. مجموع الفتاوى (29/ 377)
وبهذا يتبين جهل الرافضي وافتراؤه على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه