الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
حينما نسأل النصارى لماذا تعبدون المسيح يقولون: نعبده لأنه الله ، فنسألهم ما الدليل أنه الله؟ فيستدلون ببعض النصوص استدلالاتٍ واهيةً ليوهموا أنفسهم أنهم على صواب ! ومن ضمن هذه النصوص النَّصُّ الوارد في إنجيل يوحنا 10 – 30 : [ أنا والآب واحد ] !!
فهل نص ” أنا والآب واحد ” يدل على ألوهية المسيح ؟!
وهل هذا النص يصلح جوابًا عن سؤال : أين قال المسيح إنه الله ؟!
الواقع أن المنصرين الذين يستدلون بهذا النص على تأليه المسيح إما أنهم لم يفهموا النَّصَّ فهمًا صحيحًا وإما أنهم فهموه بشكل صحيح ولكنهم تعمدوا تضليل النصارى !! فالنص ليس له علاقة بألوهية المسيح!
أولا:
هذا النص ليس نَصًّا صَرِيحًا في هذا الموضوع باعتراف الأنبا شنودة الثالث بابا الكنيسة الأرثوذكسية!
فقد جاءه سؤال هل قال المسيح إنه إله ؟!
” كيف نصدق لاهوت المسيح بينما هو نفسه لم يقل عن نفسه إنه الله ، ولا قال للناس اعبدوني ” ؟!!
فقال الأنبا شنودة مجيبًا على هذا السؤال: [ لو قال عن نفسه إنه إله لرجموه ، ولو قال للناس اعبدوني لرجموه أيضًا، وانتهت رسالته قبل أن تبدأ ].
كتاب سنوات مع أسئلة الناس – أسئلة لاهوتية وعقائدية أ – ص46.
فالأنبا شنودة يعترف أن هذا النص غير صريح في إثبات ألوهية المسيح، وكذلك وغيره من النصوص الأخرى!
ثانيًا:
الواقع أيضا أن المستدلين بهذا النص ” أنا والآب واحد” قد انتزعوه من سياقه انتزاعًا شنيعًا يغيّر النص عن معناه الحقيقي ، فلو نظرنا في النصوص التي قبله سنجد أنه لا توجد علاقة بين هذا النص وبين ألوهية المسيح المزعومة على الإطلاق !!
ولابد أن نضع السياق كَامِلًا حتى تتضح الحقائق الغائبة عن النصارى المخدوعين: يقول كاتب إنجيل يوحنا في الأصحاح العاشر:
[ 24 فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْرًا». 25 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. 26 وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. 27 خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28 وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 29 أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. 30 أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». 31 فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. 32 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» 33 أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» 34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ ].
وإليك التعليق وتوضيح سياق كلام يسوع في هذا الموضوع:
في نص 24 نجد اليهود يقولون للمسيح إنْ كنتَ أنتَ المسيحَ أي النبي المسيح المنتظر ، فقل لنا صراحةً أنك هو ، فقال لهم المسيح إنني قلت لكم بالفعل ولكنكم لا تصدقوني ، واستدلَّ المسيحُ على أنه النبيُّ المُنْتَظَر في هذا الزمان بأنه عَمِلَ أَمَامَهُمْ أَعْمَالًا كثيرة باسم الله بينهم ، مثل شفاءِ المرضى وَإِحْيَاء المَوْتَى وتكثير الطعام …. إلخ ، وقال لهم المسيح أيضا: أنتم لا تؤمنون بي لأنكم لَسْتُم من القوم المؤمنين الذين يعلم الله أنهم سيؤمنون بي ، أما المؤمنون بي فإنهم يعرفونني جَيِّدًا ، ولأنهم آمنوا بي فلهم حياة أبديَّة ، ولن يضيعوا أو يهلكوا ، بل مصيرهم النعيم الأبدي بسبب هذا الإيمان السليم، ولن يستطيعَ أَحَدٌ أن يضلل هؤلاء المؤمنين بي، وسبب ذلك هو أن الله الآب نفسه هو الذي أعطاني إياهم وجعلهم مؤمنين، والله الآب أعظم من الجميع ، وهو قادر مهيمن مسيطر ، فلن يستطيع أَحَدٌ أن يأخذ منه شيئًا ، وبما أَنَّ هؤلاءِ المؤمنين محروسون من الله الآب فلا يستطيع أحدٌ أن يضللهم أو يأخذهم من يدي ، وأنا هدفي أَلَّا يُضَلِّلَ هؤلاء المؤمنين أَحَدٌ ، وكذلك الله الآب يريد نفس هذا الهدف، فكان مَقْصُود المسيح أنه والآب واحد في هذه الفكرة وفي هذا الهدف ، ولم يقل السياقُ أَبَدًا إن المسيح يساوي نفسه بالله !!
ربما يقول قائل، لكنَّ اليهود الحاضرين أنفسهم فَهِمُوا من كلامه أنه يساوي نفسه بالله! بدليل قوله [ أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا ].
فأقول إن اليهود فعلوا ذلك ليجدوا ما يهاجمون به المسيح ، ولكنه نسف هذه الفكرة تمامًا في نفس اللحظة ، فقال لهم: [ أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ 37 إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي ].
يعني يقول لهم: أليس يوجد في توراتكم أن حاملي ناموس الرب يقال عنه آلهة ؟! ، وقال لهم طالما أن هذا موجود في توراتكم ، فهل لو قلت إني ” ابن الله ” أكون مستحقًا للرجم ؟!
وهذا يدل أن وجه إنكار اليهود عليه ليس لأنه قال ” أنا والآب واحد ” ، وإنما أنكروا عليه لأنه قال إن اللهَ أبوه , وأنه ابنُ الله، بدليل قول المسيح لهم” [ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ ] والعبرة بفهم المسيح وليس بفهم اليهود الذين كانوا يَتَحَيَّنُونَ الْفُرَصَ للهجوم عليه والوشاية به عند الحاكم ! وأخبرهم المسيحُ أَنَّ الله قَدَّسَهُ بالنبوة واصطفاه بالرسالة إليهم !!
فكما رأينا أن النَّصَّ ليس له علاقة نِهَائِيًّا بألوهية المسيح لا من قريب أو من بعيد ، وإنما هذا فَهْمُ اليهودِ الـمَبْنِيُّ على المكيدة للمسيح ، ولقد رد عليهم المسيح وبيَّن لهم بطلان فهمهم الكيدي الخاطئ !
ثالثًا:
هل تلاميذ المسيح فهموا من قوله “ أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ ” أن المسيح هو الله أو أن المسيح يساوي نفسه بالله؟!
الجواب لا ، وهذه شهادة بطرس بعد رفع المسيح، حيث قال لليهود:
[ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ. ]. أعمال الرسل 2 – 22
فهل نصارى اليوم أعلم من بطرس تلميذ المسيح الذي رآه وعاصره وعاش معه وعرفه حق المعرفة !
رابعًا:
المسيح نفسه قال لليهود: في نفس الإنجيل: [ وأنتم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي يسمعه من الله ]. يوحنا 8 – 40.
وهذا النص وحده كافٍ لأي عاقل يطلب الحق أن ينسف في عقله فكرة ألوهية المسيح المزعومة ، المسيح نفسه يقول لليهود: أنا مجرَّد إنسان نقل لكم كلامَ الله ، فلو كان المسيحُ يزعم الألوهية لنفسه لما قال لهم إنه مجرد إنسان ينقل كلام الله لهم، وأبضا قال المسيح كلامًا يستحيل أن يفهم منه إلا معنى واحد كما في يوحنا 17 – 3 حينما كان يخاطب الآبَ قائلًا : [ والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، ويعرفوا الذي أرسلته يسوع المسيح ].
فمن يريد أن ينال الحياة الأبدية في زمن المسيح فعليه أن يعرف ويؤمن أن الإله الحقيقي هو الله ، ويعرف ويؤمن أن هذا الإله الحقيقي أرسل يسوع المسيح.
خامسًا:
ثم إن اليهود لم يكونوا ينتظرون إِلَهًا مُتَجَسِّدًا ، بل كان ينتظرون نَبِيًّا مخلصًّا يخلصهم من ظلم الرومان ويجعلهم قادة للعالم !!
يدل على ذلك أن جميع الذين آمنوا بالمسيح لم يؤمنوا به على أنه إله ، وإنما آمنوا به على أنه نبي عظيم.
مثل الرجل الأعمى الذي شفى المسيحُ عينيه بقدرة الله لما سألوه عن المسيح قائلين: [ وأنت ماذا تقول عنه من حيث أنه قد فتح عينيك ؟] فقال الأعمى: [ أرى أنه نبي ]. يوحنا 9 – 17.
فحتى المؤمنون بالمسيح لم يؤمنوا به على أنه إله !! وإنما آمنوا به على أنه نبي.
وكلام الأنبا شنودة الذي ذكرناه مفجع وحقيقي ، إذ كيف يعبد النصارى رجلًا لم يقل لهم إنه الله ؟!
وأيضًا بالفعل لم يُعْلِن المسيحُ عن ألوهيته المزعومة نهائيًا على الإطلاق !!
أما الإله في العهد القديم فقد أعلن كثيرًا عن نفسه وعن ذاته مُظْهِرًا ألوهيته :
قال الرب لإبراهيم: [ أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ ] . تكوين 17 – 1
وقال الرب ليعقوب النبي: [ أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ ]. تكوين 35 – 10
وقال الرب ليعقوب : [ أَنَا اللهُ، إِلهُ أَبِيكَ ].
وقال في مزمور 46 : [ كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ، أَتَعَالَى فِي الأَرْضِ. 11 رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ ].
اشعياء 45 – 22 يقول: [ اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ ].
كذلك أعلن المسيح وكتبة العهد الجديد عن ألوهية الآب صراحةً !!
كما جاء في يوحنا 6 – 27 يقول: [ اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ، لأَنَّ هذَا اللهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ ]
حتى بولس كان يؤمن بأن الله هو الآب فقط ، ولم يقل بولس إن المسيح هو الله أبدا فقال:
غلاطية 1 – 1 : [ بُولُسُ، رَسُولٌ لاَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ ].
ويقول بولس في رسالته إلى أفسس 6 – 23 : [ الله الآب ].
فلماذا لا نجد نصًّا واحدًا يقول: [ الله الابن ] ؟!
فالمسيح بالفعل لم يَدَّعِ الألوهية لنفسه ، والنص الذي يستدل به النصارى ليس دليلا على ألوهية المسيح.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
تصحيح:
يتحيونون
إلى:
يتحيّنون
جزاك الله خيرا
تم التصحيح
حفظك الله تعالى شيخنا الحبيب
تصحيح جملة : {ومن ضمن هذه النص النص الوارد في…} إلى :{ومن ضمن هذه النصوص النص الوارد في…}
جزاك الله خيرًا، تم التصحيح.
وأنا أضيف على قولك شيئا سادسا وهو أنه حتى في اللغة العامية عندنا عندما أقول لك مثلا : يا أخي يا أبا عمر أنا وأنت واحد أو أقول لك أنا وأنت سواء… فمباشرة تفهم أن المقصود هو أن ما يفرحك يفرحني وأن ما يسيئك يسيئني أو تفهم أني أوافقك في الرأي أو تفهم أني معك ظالما أو مظلوم… ولا يمكن أبدا أن تفهم من ذلك أني أنا رفيق هو أنت أبو عمر بشحمك ولحمك!! فلماذا يصر هؤلاء القوم على أن نص ” أنا والآب واحد ” يعني أن المسيح عيسى ابن مريم هو الله؟!!
لماذا يصر هؤلاء القوم؟
يصرّون لأنهم أنصتوا إلى وسوسات الشيطان فأضلهم ودفعهم إلى الإيمان بأن هناك إله غير الله بيده سعادتهم وخلاصهم في الدنيا والآخرة. ومعلوم أن الشيطان للإنسان عدو مبين، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق.
صدقت المسيحيين مغيبين لأنهم لا يقرئون بل يفكرون في مكانهم القساوسة
جزاك الله خيرا الأدلة بالعقل والمنطق والبرهان والحجة
حفظك الله تعالى وما بعد الحق إلا الظلال المبين