الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وَمَنْ وَالَاهُ وبعد:
فهذه صورة من كتاب الإمامة والسياسة يستدل بها أحد الأباضية للطعن في عثمان بن عفان رضي الله عنه والطعن في أم المؤمنين عائشة عليها السلام.
وهذا هو الرد عليه:
أولًا: كتاب الإمامة والسياسة ليس كِتَابًا من تأليف أهل السنة والجماعة، وإنما كتابٌ أَلَّفَهُ أَحَدُ الرافضة القدماء ونَسَبَه زُورًا وبهتانًا وكذبًا للإمام ابن قتيبة الدينوري رحمه الله. راجع كتاب” كتب حذر منها العلماء” ص 298.
ثانيًا: لو فرضنا أن الكتاب بالفعل منسوب للإمام ابن قتيبة ؛ فمَن الذي قال إنَّ كلَّ ما في كتب التاريخ صحيح ؟!
العلماء ينصون في كتبهم منذ القرون الأولى للإسلام على أن الكتب تحتوي الصحيح والضعيف، وأنهم فقط أرادوا أن يجمعوا على الأمة الإسلامية تاريخها ورواياتها، بغضِّ النظر عن الصحة والضعف، ولم يشترط الأئمةُ والعلماءُ الصِّحَةَ في كتبهم.
فيقول الإمام الطبري وهو شيخ المؤرخين في مقدمة تاريخه:
[ فَمَـا يَكُنْ فِي كِتَابِي هَذَا مِنْ خَبَرٍ ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْـمَـاضِينَ، مِمَّا يَسْتَنْكِرُهُ قَارِئُهُ، أَوْ يَسْتَشْنِعُهُ سَامِعُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ وَجْهاً فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَعْنَى فِي الْـحَقِيقَةِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِنَا، وَإِنَّمَـا أُتِىَ مِنْ قَبَلِ بَعْضِ نَاقِلِيهِ إِلَيْنَا، وَأنَّا إِنَّمـَا أَدَّيْنَا ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا أُدِّيَ إِلَيْنَا ]. تاريخ الرسل والملوك ج1 ص8 ، ط دار المعارف – القاهرة, ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.
وقال العَلَّامة ابنُ خَلْدُونَ في تاريخه:
[ فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الاهواء فلا ينبغى أن تسود بها الصحف ].
تاريخ ابن خلدون ج2 ص650 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.
وقال الإمام القحطاني:
لَا تَقْبَلَنَّ مِنَ التَّوَارِخِ كُلَّمَا ** جَمَعَ الرُّوَاةُ وَخَطَّ كُلُّ بَنَانِ
ويقول العلامة محمود الألوسي:
[ لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ، ولا يميِّزون بين الصحيح والموضوع والضعيف ، وأكثرهم حاطب ليل ، لا يَدري ما يَجمع، فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمَهمَه الذي تضل فيه القطا ويقصر دونه الخطا ، مما لا يليق بشأن عاقل ، فضلا عن فاضل ].
صَبُّ الْعَذَابِ عَلَى مَنْ سَبَّ الأصحاب ص 421.
فالعاقل الفَطِنُ يبحث عن الروايات الصحيحة ليعتقد بما فيها ويعرف حقيقة ما حدث، والجاهل المُغرض يبحث عن الروايات الضعيفة ليهاجم بها مخالفيه !!
ثالثًا: لو فرضنا أيضا صِحَّة نسبة الكتاب لابن قتيبة فهذا الكتاب المنسوب إليه لم يذكر سَنَدًا لهذه القصة.
فلو كان ابنُ قتيبة بالفعل هو صاحبَ هذا الكتاب ؛ فلن نقبل منه روايةً بدون إسناد، فما بالك والكتابُ نفسه مكذوبٌ مُفْتَرَى على ابن قتيبة ؟!
رابعًا: الرواية منقولة بالسند من تاريخ الرسل والملوك للإمام الطبري، قال:
[كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْعِجْلِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ الْعَطَّارَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سَرِفَ رَاجِعَةً فِي طَرِيقِهَا الى مكة، لقيها عبد بن أُمِّ كِلابٍ- وَهُوَ عَبْدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ- فَقَالَتْ لَهُ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: قَتَلُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَكَثُوا ثَمَانِيًا، قَالَتْ: ثُمَّ صَنَعُوا مَاذَا؟ قَالَ: أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالاجْتِمَاعِ، فَجَازَتْ بِهِمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مُجَازٍ، اجْتَمَعُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَيْتَ أَنَّ هَذِهِ انْطَبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّ الأَمْرُ لِصَاحِبِكَ! رُدُّونِي رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فو الله إِنَّ أَوَّلُ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلا فَقَدْ كَفَرَ، قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الأَخِيرُ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الأَوَّلِ، ..]. تاريخ الطبري ج4 ص459، ط دار المعارف – القاهرة.
وهذا سند تالف لا يَسْتَدِلُّ به إنسان عَاقِل !!
وإليك الدليل:
1. الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري العطار: مجهول الحال عند أهل السنة، وهو شيعي ترجم له الخُوئِي الشيعي في معجمه ج7 ص116 !
2. نصر بن مزاحم المنقري العطار: شيعي متروك الحديث ومتهم بالكذب، متروك الحديث، ترجم له النجاشي الشيعي ص427.
3. سيف بن عمر التميمي الضبي: متروك الحديث باتفاق العلماء كما قال الذهبي في المُغْنِي !
4. جهالة الرواة الذين يروي عنهم أسد بن عبد الله البجلي !!
فمن المفارقات العجيبة أن يستدل الأباضي الخارجي برواية شيعي رافضي للطعن في الصحابة الكرام!! فكُتُبُ الأباضية تُكَفِّرُ الشيعة وتقول إنهم نصارى هذه الأمة. بل صرّح مشايخُ الأباضية بأنَّ الشيعة يكذبون في رواياتهم!!!!
خامسًا: محققا تاريخ الطبري حَكَمَا على هذه الرواية بالضعف وقالا: [ في إسناده مبهم وضعفاء، ومتنه منكر ]. ضعيف تاريخ الطبري ج8 ص647.
سادسًا: الرواية الصحيحة تناقض تمامًا ما جاء في هذه الرواية المكذوبة المُفْتَرَاة!
وهذه هي الرواية الصحيحة على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
فروى ابن سعد بسنده:
[ عن مسروق عن عائشة قالت حين قُتِلَ عثمان تركتموه كالثوب النقي من الدَّنَسِ، ثم قربتموه تذبحوه كما يُذْبَحُ الكبش، َهَّلا كان هذا قبل هذا؟! فقال لها مسروق: هذا عملكِ، أنتِ كتبتِ إلى الناس تأمريهم بالخروج إليه، قال فقالت عائشة: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا. قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كُتِبَ على لِسَانِهَا ]. الطبقات الكبرى (3/ 82).
قال الإمام ابن كثير:
[ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَيْهَا. وَفِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، زَوَّرُوا كُتُبًا عَلَى لِسَانِ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآفَاقِ، يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى قِتَالِ عُثْمَانَ ]. البداية والنهاية ج10 ص340.
إذًا فالقصة مُلَفَقَةٌ على أم المؤمنين عائشة عليها السلام، ولفقها مَنْ لا خَلَاقَ لهم ولا يستحون من الكذب على خير البشر بعد الرسل والأنبياء !! والحمد لله أن هذه الأكذوبة ظهرت في حياة أم المؤمنين عائشة عليها السلام لترد بنفسها عليها !!
فنقول لهذا الأباضي الخارجي: لم يستحِ أجدادُك الخوارج الأوائل أن يُزَوِّرُوا الرسائلَ على لسان أمِّ المؤمنين عائشة عليها السلام، ولم تستحِ أنت أنْ تستدلَّ بأكاذيب أجدادك عليها مرة أخرى بعد 14 قرنًا من الزمان لنفس الغرض !!
سابعًا: استدلال الأباضي بهذه الرواية يدل على صحة قولنا بأن الأباضية يطعنون بصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ قولَهم الجديد بأن الصحابة كلهم عدول إنما هو قولٌ مُسْتَحْدَثٌ على سبيل التقية ، ولا يعبر حقيقةً عن وجهة نظرهم الخارجية الحقيقية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!
فحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن زَوَّرَ الحَقَّ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وهاتانِ حلقتانِ للرد على إخوانهم الرافضة في نفس هذه الفرية:
الحلقة الأولى:
.
الحلقة الثانية:
والحمد لله رب العالمين ،،،،