مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
سلسلة الرد على منكري السنة النبوية
“مثناة كمثناة أهل الكتاب”
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
زعم منكرو السنة النبوية الشريفة أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست من الإسلام !!
فاستدلّوا على زعمهم هذا بروايةٍ رواها ابنُ سعدٍ في طبقاته الكبرى للطعن والتشكيك في الكتب التي تنقل إلينا سُنَّةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم!
قال ابنُ سعد:
[ أخبرنا زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي قال: أخبرنا عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم يملي علي أحاديث فقال: إن الأحاديث كَثُرَتْ على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال فمنعني القاسم يومئذٍ أنْ أكتُبَ حديثا ].
وللرد على هذه الشبهة أقول وبالله التوفيق:
أولًا: هذه الرواية ضعيفة منقطعة، لأنَّها فقدت أولَ شَرْطٍ من شروطِ صحةِ الروايةِ وهو اتصالُ الإسناد.
والدليل على وجود الانقطاع أن القاسم هو ابنُ محمد بن أبي بكر التيمي، لم يدرك أمير المؤمنين عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه!
قال الإمامُ الذهبي:
[القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ .. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ انْقطَاعٌ عَلَى انْقطَاعٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يُحِقَّ أَبَاهُ ].
سير أعلام النبلاء ج5 ص54
قلتُ: كانت ولادة القاسم بن محمد سنة 36 هجرية تقريبا.
وأما سيدنا عمر رضي الله عنه فقد توفَّاه الله شهيدًا سنة 23 هجرية. فبين استشهاد سيدنا عمر وولادة القاسم 13 سنة تقريبا، وهذا انقطاع واضح!
قال العلامة المعلمي اليماني:
[ وهذا منقطع أيضاً إنما وُلِدَ القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة ]. الأنوار الكاشفة ص39.
فالرواية ضعيفة من حيث السند، ولا تصح سندًا إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثانيًا: حاشا لله أن يفعل سيدُنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيئًا من ذلك؛ إذ كيف يُشَبِّهُ سيدُنا عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه كلامَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بمَثْنَاةِ أهلِ الكتاب؟!
فلو سألنا أيَّ مسلمٍ هل تنزِّل كلامَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم منزلةَ الكتبِ التي كتبها اليهودُ والنصارى بأيديهم ثم ادَّعَوا أنها من عند الله؟! لقال لا !!
ثالثًا: لو فرضنا صحة الرواية فهل هي تدل على عدم وجود السنة النبوية أو عدم جواز العمل بها؟!!
لا شك أن هذا لا يقوله عاقِلٌ في زماننا بعد وضوح الرؤية تماما في مسألة السنة النبوية والعمل بها، لأن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسَهُ روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الأحاديث، وثبت عنه العمل السنة النبوية!
فحديث: [ إنما الأعمال بالنيات]، الذي يحفظه المسلمون جميعا تقريبًا من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فهذا الحديث لم يروه إلا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكذلك حديث: [ لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ]. صحيح البخاري: 3445.
بل كان سيدنا عمر رضي الله عنه يوصي الأمراء بالسنة النبوية الشريفة:
فروى الإمام مسلم في صحيحه عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه قال في حديث موته:
[ اللهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ، وَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ، وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]. صحيح مسلم برقم: 78 – (567).
رابعًا: من يستدل بهذه الرواية للتشكيك في السنة النبوية أو يستدل بها على عدم جواز العمل بالسنة النبوية هو في الحقيقة شخص متضارب متناقض، إذ كيف يستدلُّ بروايةٍ من كتب السنة النبوية للتشكيك في السنة النبوية ؟!
إنْ قال هذا المتناقض إنَّه لا يثق في أيِّ كتابٍ آخرَ غيرِ القرآن بِناءً على هذه الرواية ؛ قلنا له إن هذه الرواية أيضًا جاءت في كتاب آخر غير القرآن الكريم؛ فلماذا يستدل بها؟!
وإذا قَبِلَ هذه الرواية فهذه معناه أنه مُلْزَمٌ بقبول كُتُبٍ أخرى غير القرآن الكريم !!
وهكذا كل من يطعن في السنة النبوية تجده شخصًا متناقضًا، يناقض ويخالف نفسَه أولًا قبل أن يُخَالِفَ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم!!
خامسًا: العَمَلُ بالسنة النبوية الشريفة أمرنا الله به في كتابه جَلَّ وَعَلَا، فقال سبحانه وتعالى: { وأنزلنا إليك الذِّكْرَ لتبينَ للناس ما نُزِّلَ إليهم }.
من هذه الآية يتبين لنا أن دين الإسلام يشتمل على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تشرح وتبين القرآن الكريم، وإليك التفصيل:
ما نُزِّلَ إليهم = القرآن الكريم
فما هو الذِكْرُ الذي سيبين اللهُ به القرآنَ الكريم؟! أليس هو السنة النبوية الشريفة؟!
فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل أنزل وحيين.
1. الوحي الأول: القرآن الكريم.
2. الوحي الثاني: هو الوحي الـمُبَيِّنُ والشارح والـمُفَسِّرُ للقرآن الكريم، ولا يوجد شيءٌ جاءنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير القرآن إلا سنتُهُ النبوية الشريفة.
وأيضًا قال الله جل جلاله لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم: { واذكرن ما يُتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة }.
آيات الله = القرآن الكريم.
فما هي الحكمة التي ستُتْلَى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم؟!
إذًا آياتُ الله هي القرآن، وهذا بلا شك من الوحي الـمُنَزَّل، والحكمة هي سُنَّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهي أيضا من الوحي الـمُنَزَّل.
وكذلك يقول القرآن الكريم: { وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا }.
وقال سبحانه وتعالى: { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول }.
فَسَنُطِيعُ اللهَ عز وجلَّ حينما نعمل بالقرآن الكريم، فكيف نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أليست طاعته بالعمل بسنته الشريفة المطهرة؟!
سادسًا: وجود هؤلاء الذين ينكرون السنة النبوية وينكرون الاحتجاج بها هم أنفسُهُم من أعظم الأدلة على صحة هذه السنة النبوية الشريفة المباركة، فلقد أخبرنا صاحبُ السنة النبوية بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام أنه سيأتي زمان يقوم فيه بعضُ المنتسبين إلى الإسلام بإنكار سُنَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم!!
فقال عليه الصلاة والسلام:
[ يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ ].
مسند الإمام أحمد ج28 ص429، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
وهؤلاء الذين ينكرون العمل بالسنة النبوية إذا أتيناهم بحديث قالوا نفس هذه المقالة!
وقد رد الرسول صلى الله عليه وسلم شخصيًّا على أصحاب هذه المقالة فقال: [ أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ ].
ولذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، بل ينقل عن ربه جل في علاه.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين