هل سَخِرَ معاوية من السيدة أم أيمن ؟!

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي معاوية بن أبي سفيان y 

هل سَخِرَ معاوية بن أبي سفيان من السيدة أم أيمن ؟!

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:  

 هذه سلسلة ردود علمية على شبهات الدكتور عدنان إبراهيم حول الصحابة رضي الله عنهم.

تكلم د/ عدنان عن معاوية رضي الله عنه وقدح فيه قائلًا أن معاوية يسخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استدل بروايات لا تصح, وإليكم البيان:

استدلَّ بما ذكره الإمام الذهبي قال:

{ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أُسَامَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَأَلْطَفَهُ، فَمَدَّ رِجْلَهُ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ أَيْمَنَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ظُنْبُوْبِ سَاقِهَا بِمَكَّةَ، كَأَنَّهُ ظُنْبُوْبُ نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ.

فَقَالَ: فَعَلَ اللهُ بِكَ يَا مُعَاوِيَةُ، هِيَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْكَ!

قَالَ: يَقُوْل مُعَاوِيَة: اللَّهُمَّ غُفْراً.

الظُّنْبُوْبُ: هُوَ العَظْمُ الظَّاهِرُ. وَالخَرْجَاءُ: فِيْهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ }.(1)

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولا: الرواية  غير صحيحة:

فسندها تالف ساقط فيه علل تمنعنا من قبوله.

والمسلمون لا يقبلون في دينهم خبرًا حتى تنطبق عليه شروط قبول الرواية بقسميه الصحيح والحسن, وللصحيح شروط خمس وهي:

ü            اتصال السند.

ü            عدالة الرواة.

ü            ضبط الرواة.

ü            انتفاء الشذوذ.

ü            انتفاء العلة.

قال أبو عمرو بن الصلاح :{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَلا مُعَلَّلًا }.(2)

علل الرواية:

العلة الأولى: أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيُّ.

قال الإمام الذهبي:

{ الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي

قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب.

 قال يعقوب بن محمد: سكتوا عنه.

وروى عباس عن يحيى قال: ليس بثقة، كان يكذب.

 وقال أبو داود: كذاب.

 وقال النسائي و غيره: متروك الحديث }.(3)

العلة الثانية: الانقطاع.

فَعَلَى فَرْضِ أنَّ الهيثم هذا كان ثقة، فالرواية أيضا ضعيفة بسبب الانقطاع.

فالهيثم بن عدي مُتَوَفَّى سنة 207 هجرية، وكان عمره وقتها 93 عاما.

قال الإمام الذهبي: { تُوُفِّيَ بِفَمِ الصَلْحِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً }.(4)

وهذا يعني أنه وُلِدَ سنة 114 من الهجرة، في حين أن معاوية رضي الله عنه تُوُفِّيَ سنة 60 هجرية.

وأسامة بن زيد رضي الله عنه تُوُفِّيَ سنة 54 هجرية.

ثانيا: كُتُبٌ أخرى تذكر الرواية:

هذه الرواية ذكرها الإمامُ الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء نَقْلًا عن كتاب تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر.(5)

كما ذكرها البلاذري في كتابه أنساب الأشراف:

قال البلاذريُّ:

{  الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَحِمَ الله أُمَّ أَيْمَنَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا ظنبوبا نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ، فَقَالَ: هِيَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّكَ وَأَكْرَمُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:

وَأَكْرَمَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13) }.(6)

علل الرواية:

العلة الأولى: عبد الله بن فائد، أبو اليقظان.

وهذا الرجل له ترجمة شائكة جِدًّا، مَفَادُهَا أنَّ هذا الرجل له أسماءٌ وكُنًى كثيرةٌ، منها اسمه هذا و(سُحَيم بن حفص)، و(عامر بن أبي محمد)، و(عامر بن حفص)، و(أبو إسحاق المالكي)، و(أبو اليقظان)، وغيرها من الأسماء !

 وقصته هذه لخَّصها الإمام الخطيب البغدادي !

قال الإمام الخطيب البغدادي:

{ …قال لي أبو الحسن المدائني أبو اليقظان هو سحيم بن حفص وسحيم لقب وها عامر بن حفص وكان لحفص ابن يقال له محمد وكان أكبر ولده ولم يكن به وكان حفص أسود يعرف بالأسود وقال لي أبو اليقظان سمتني أمي خمسة عشر يوما عبد الله فإذا قلت: حدثنا أبو اليقظان فهو أبو اليقظان فإذا قلت: سحيم بن حفص وعامر بن حفص وعامر بن أبي محمد وعامر بن الأسود وسحيم بن الأسود وعبد الله بن فائد وأبو إسحاق المالكي فهو أبو اليقظان}.(7)

وهو رجل مجهول الحال، لا يوجد مَنْ وَثَّقَهُ مِنْ عُلماءِ الجرح والتعديل. ورواية مجهول الحال لا يُحتجُّ بها عند العلماء.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ }.(8)

العلة الثانية: الانقطاع.

فعبد الله بن فائد أو سحيم بن حفص هذا لم يُدركْ أسامة بن زيد أو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم.

قال ياقوتُ الحمويُّ:

{ سُحَيْم بن حفص، أبو اليقظان، الراوية، الأخباريُّ…تُوُفِّيَ سنة تسعين ومائة }.(9)

فلو فرضنا أنه عاش 120 سنة، فهو أيضًا لَمْ يُدْرِكْ أَحَدَهُمَا أو كليهما. فالرواية منقطعة.

العلة الثالثة: البلاذري لَمْ يوثقه أحد من العلماء..

أقول أنَّ البلاذريَّ مُؤلِّفَ الكتاب لَمْ يُوَثِّقْهُ واحدٌ من علماء الجرح والتعديل.

وهذه النقطة تكلمنا عنها في الرد على فرية نبوءة النبي r بموت معاوية على غير الإسلام.

ثالثا: طالما أنَّ الرواية ضعيفة؛ فلماذا ذكرها العلماء ؟

الرافضة وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ وسار على دربهم بسبب جهلهم بكتب أهل السُّنَّة والجماعة يسألون دائما هذا السؤال بعد أن ننسف لهم افتراءاتهم عن الصحابة، ويقولون: طالما أن الرواية ضعيفة, فلماذا يرويها الإمام ابن عساكر في تاريخه أو يذكرها الذهبي في سيره ؟؟

وهذا نفس السؤال الذي يسأله أتْبِاعُ عدنان إبراهيم بعد نسف الروايات مَحلَ استدلالهم !

وللرد على هذا السؤال أقول:

علماؤنا مثل الإمامِ ابنِ عساكر وغيره من المؤرخين كالطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير حينما صنفوا كتبهم هذه لم يشترطوا الصِّحَّةَ في كُلِّ ما ينقلونه !

بل كان هدفهم الوحيد هو جمع وتدوين كل ما قيل في الحقبة التاريخية الخطيرة.

وأما المتأخرون منهم فكان هدفهم سرد ما قيل عن كل شخص أو عن كل حقبة زمنية بغض النظر عن صحة الرواية وضعفها.

رابعًا: الرواية تخالِف الصحيحَ الثابتَ:

ادَّعَى عدنان إبراهيم في استدلاله بهذه الرواية أن معاوية لم يكن يوقِّر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم/ وسنعرض شيئا من أقوال علماء وثقات هذه الأمة عن أخلاق معاوية !

قال الإمامُ ابنُ كثير:

{ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْظَمَ حِلْمًـا، وَلَا أَكْثَرَ سُؤْدُدًا، وَلَا أَبَعْدَ أَنَاةً، وَلَا أَلْيَنَ مَخْرَجًا، وَلَا أَرْحَبَ بَاعًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مُعَاوِيَةَ }.(10)  

وقبيصة بن جابر الأسديُّ من سادة ونبلاء التابعين, وكان رحمه الله كوفيًّا !

 وهذا كلام الإمام الذهبي نفسه في معاوية رضي الله عنه، والذهبي هو صاحب الكتاب الذي ينقل منه عدنان إبراهيم !

قال الإمام الذهبي:

 { وَمُعَاوِيَةُ: مِنْ خِيَارِ المُلُوْكِ الَّذِيْنَ غَلَبَ عَدْلُهُم عَلَى ظُلْمِهِم، وَمَا هُوَ بِبَرِيْءٍ مِنَ الهَنَاتِ – وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ }.(11)

قال الإمام الذهبي:

{ حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ ـ وَهُوَ ثَغْرٌ ـ فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم – خَيْرًا مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ}.(12)

روى الإمام أبو بكر الخلَّالُ:

{ قال أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُكْتِبُ: كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ، فَذَكَرُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَدْلَهُ، فَقَالَ الْأَعْمَشُ: فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: فِي حِلْمِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، بَلْ فِي عَدْلِهِ }.(13)

خامساً: من فمك أُدينك:

عدنان إبراهيم له مقطع على موقع اليوتيوب يفتري فيه على صحيح الإمام البخاري، في محاولة يائسة لصد الناس عن هذا الكتاب العظيم، فقال أثناء كلامه أنَّ الإمامَ الذهبيَّ هو الحافظُ المؤرِّخُ العلَّامَةُ العظيمُ، العليمُ بالرِّجال !!

فلماذا ترك عدنانُ إبراهيم قولَ الإمام الذهبي في معاوية رضي الله عنه ؟!

هل عدنان إبراهيم أعلمُ بالرجال من الإمام الذهبيِّ ؟

ومدحُ معاوية رضي الله عنه لم يرد فقط عن الإمام الذهبي، وإنما عن كثير من علماء هذه الأمة !

روى الإمام ابن عساكر:

{ عن أبي الأشهب قال: قيل للحسن البصري: «يا أبا سعيد، إن هاهنا قوماً يشتمون أو يلعنون معاوية و ابن الزبير». فقال: «على أولئك الذين يلعنون، لعنة الله» }.(14)  

 والخلاصة أن هذه الروايات التي يذكرها عدنان مجرد أكاذيب وخرافات يريد عدنان حشرها في عقول أتباعه.

مراجع البحـث:

 (1)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج2 ص507, ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (2)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان،  دار الفكر –  سوريا، ت: نور الدين عنتر.

 (3)  ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي  ج7 ص111، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: مجموعة من المحققين.

 (4)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج10 ص104, ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (5)  تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر ج8 ص82 ، ط دار الفكر – بيروت. ت: محب الدين أبو سعيد العمروي.

 (6)  أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص40 ، ط دار الفكر – بيروت, ت: د/سُهِيل ذكَّار(شيعي) ، د/رياض زركلي .

 (7)  موضح أوهام الجمع والتفريق للإمام الخطيب البغدادي ج2 ص326, ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: أبي الفداء عبد الله القاضي.

 (8)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111، ط دار الفكر المعاصر – لبنان،  دار الفكر –  سوريا، ت: نور الدين عنتر.

 (9)  معجم الأدباء لياقوتُ الحموي ج3، ص1342, طبعة دار الغرب الإسلامي – بيروت، ت: د/ إحسان عباس.

(10) البداية والنهاية للإمام عماد الدين بن كثير ج8 ص138 طبعة دار هجر –  الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.

(11) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج3 ص159, طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

(12) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج3 ص133, طلعة مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

(13) السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلَّال ج2، ص437, طبعة دار الراية – الرياض، ت: د/ عطيّة الزهراني.

(14) تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر  ج59 ص206، طبعة دار الفكر – بيروت. ت: محب الدين أبو سعيد العمروي.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

الرد مصورًا على هذه الفرية 

5 تعليقات

اترك ردّاً