سؤال وجواب حول قضية إرث فاطمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد, فهذا سؤال جاءني على اليوتيوب حول قضية إرث فاطمة عليها السلام من أرض فدك.

وسأعرض السؤال مصورا من اليوتيوب:

29-02-38 05-06-02 ص

فكان هذا جوابي:

سؤالك ممتاز:

هذه دعوة نبي الله زكريا، قال: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا }. سورة مريم ( 5 ، 6 ) .

فهل استجاب اللهُ دعاءَ زكريا عليه السلام أم لا ؟

وأقول أن الله استجاب لدعاء زكريا عليه السلام، يدل عليه قوله تعالى: { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى .. }.

ونبي الله زكريا عليه السلام أنجب ولدًا واحدًا وهو يَحيى عليه السلام.

ومن المعلوم أن يحيى عليه السلام مات شهيدا في حياة أبيه زكريا عليه السلام.

فكيف يكون يحيى ورث من أبيه المال وقد مات في حياته ؟!!

الشيء الذي ورثه يَحْيَى من أبيه زكريا هو العلم والنبوة، وليس المال.

ويدل على ذلك أن الله تعالى يقول بعدها: { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }.

ولم يقل الله تعالى خذ المال !! فتكون هذه الآية حُجَّةً على مَن يستدل بها على جواز إرث المال من الأنبياء.

ثم أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر زوجاته في مرض موته أن يتصدقن بكل المال ؟

فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم سَيُوْرَثُ وراثة المال لترك هذا المال ليوزع بين ورثته.

.

فكتب الأخ قائلا:

29-02-38 05-10-21 ص

 

فكان جوابي عليه بأن قلت:

تفكير خاطئ فأتى بنتائج خاطئة أيضا !!
أرجو أن تقرأ كلامي كاملا، وعذرًا على الإطالة ،،،،

أولا:
لا يلزم من كَونِ الأنبياء لا يُوَرِّثُونَ إلا العِلْمَ أن يكون أولادُهم ورثوا عنهم هذا العلم كاملًا !
فعلمُ النبيِّ الأعظم صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَرَّثَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية، كُلُّ إنسانٍ بحسب سَمَاعِهِ من الرسول صلى الله عليه وسلم ومدة جلوسه وملازمته له.
فأكثرُ الصحابةِ ملازمةً له هُمْ أكثرُهُم سَمَاعًا لِحَدِيثِهِ وهم أكثرهم روايةً عنه.
وأقلُّ الصحابة ملازمةً له هُمْ أقلهم سَمَاعًا لِحَدِيثِهِ وهم أقلهم روايةً عنه.

فلأن السيدة فاطمة عليها السلام لم تكنْ موجودة مع الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة وقتها، بل لديها بيت وزوج وأطفال.
فهناك أحاديث وأحكام ومواعظ قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في غير حضرتها، فالطبيعي أن هذا العلم لم يبلغْها وهي بالتالي لا تعرفه لأنها لم تسمعه.
ولأن عَلِيًّا عليه السلام لازم الرسولَ صلى الله عليه وسلم أكثرَ منها، وعاش سيدنا عليٌّ بعدها 29 سنة، فقد رَوَى عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم عِلْمًا أكثر منها. لأنها رضي الله عنها تُوُفِّيَتْ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
فمن الطبيعي أن يكونَ عددُ رواياتِ مَنْ لَازَمَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وعاش بعده طويلًا أكثرَ من عدد روايات مَنْ قَلَّتْ ملازمَتُهُ للرسول صلى الله عليه وسلم وتوفِّيَ بعده بقليل.
ثانيا:
السيدة فاطمة عليها السلام لم تسمع بهذا الحديثِ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فبعد موته عليه الصلاة والسلام ذهبت السيدة فاطمة كأمر طبيعي تطالب بميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أبو بكر بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:
نعم من المعقول جدًّا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يموت ولا تعلم السيدة فاطمة عليها السلام بهذا الحديث.
بل كل الصحابة لهم أحاديث كثيرة لم يسمعوها من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرةً، وإنما سمعوها من صحابة آخرين غيرهم.
متى نقول أن أبا بكر الصديق وقع في خطأ ؟
إذا أعطى ابنته عائشة ميراثها وحرم فاطمة ميراثها، لو فعل ذلك لقلنا أنه انحاز ضد الحق.
لكنه لم يعط ابنته عائشة التي كان سيكون لها نصيب كبير في إرث النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعط أَيَّ واحدةٍ من زوجات الرسول صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا. فلم ترث واحدة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: { أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ }. صحيح البخاري:  حديث رقم 6730.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ } . صحيح البخاري 2776.

رابعًا:
الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بالبلاغ من ربه سبحانه وتعالى بقوله: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }.
والله سبحانه وتعالى لم يحدد للرسول صلى الله عليه وسلم لكل واحد من الصحابة شيئا معينا من الكتاب والسُنَّة ليخبره به.
فطالما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بَلَّغَ الحكم الإلهي ولو لواحد من الصحابة فقد حصل البلاغ وتم وحدث.
خامسًا:
أنت بهذه الطريقة في التفكير ستوقع نفسَك أخي الكريم في اتهام سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام بالظلم لنفسه ولأهل بيته، وليس هو فقط بل الحسن والحسين عليهما السلام أيضا !!
أتدري لماذا ؟!
لأن من المعلوم أن ميراث المرأة إذا تُوُفِّيَتْ يذهب إلى زوجها وأولادها، وسيدنا علي بن أبي طالب لما تولى الخلافة كان هو أمير المؤمنين والحاكم الشرعي للمسلمين، ومع ذلك فلم يقل أن أبا بكر أخذ ميراث زوجتي فاطمة، وأنا سأسترده وأعيده إلى نفسي وأولادي.
ومعلوم أن الحسن عليه السلام تولّى الخلافةَ بعد أبيه، ولم يقل الحسنُ أنَّ أرضَ فدك من حق أمي فاطمة، أو أن هذا الحق قد انتقل لي أنا وأخي الحسين. وكذلك الحسين لم يقل إن أرض فدك من حقي بعد وفاة أمي وأبي وأخي.
فهل علي والحسن والحسين جميعا ظلموا أنفسهم ؟!
وبناءً على ما سبق أقول أن أبا بكر لم يظلم فاطمة رضي الله عنها، بل طبق أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنفذ وصيته.
ثم إن أبا بكر ليس هو الوحيد الذي روى هذا الحديث، بل رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ،،،،

.

فاقتنع الأخ بالجواب واطمأنّ إليه، وكتب يقول:

29-02-38 05-13-02 ص

.

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،،،،

 

2 تعليقات

  1. اخي العزيز
    أحد الشيعه قال
    إن تفسير الطبري لآيه يرثني ويرث من آل يعقوب
    فسرها بانها المال و النبوه و كذلك القرطبي لمح الي أنها من الممكن أن تكون وراثة المال
    نرجو الرد وجزاكم الله خيرا

    • حياك الله أخي الكريم
      نعم الطبري قال هذا الكلام، ولكنه خطأ لمخالفته لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفته لواقع زكريا عليه السلام.
      والاستدلال بقوله تعالى: { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ }. استدلال غير صحيح لعدة أسباب:
      أولا: هذه دعوة نبي الله زكريا، قال: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا }. سورة مريم ( 5 ، 6 ) .
      فهل استجاب الله دعاء زكريا عليه السلام أم لا ؟
      وأقول إن الله عز وجل قد استجاب دعاء زكريا عليه السلام، يدل عليه قوله تعالى: { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى .. }.
      ونبي الله زكريا عليه السلام أنجب ولدًا واحدًا وهو يَحيى عليه السلام.
      ومن المعلوم أن يحيى عليه السلام مات شهيدا في حياة أبيه زكريا عليه السلام.
      فكيف يكون يحيى ورث من أبيه المال وقد مات في حياته ؟!!
      ثانيا: الشيء الذي ورثه يَحيى من أبيه زكريا هو العلم والنبوة، وليس المال.
      ويدل على ذلك أن الله تعالى يقول بعدها: { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }. ولم يقل سبحانه وتعالى له: خذ المال !!
      فتكون هذه الآية حُجَّةً على مَن يستدل بها على جواز إرث المال من الأنبياء.
      ثالثا: ثم أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر زوجاته في مرض موته أن يتصدقن بكل المال ؟
      فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم سيورَث وراثة المال لترك هذا المال لِيُوَزَّعَ بين ورثته.
      رابعا: إذا كان أبناءُ الأنبياء يرثون آباءهم ، فلماذا يدعو زكريا رَبَّه أن يرزقه ولدًا لِيرثه ؟!
      بحسب فهم الشيعة للآية يكون زكريا دعا اللهَ أن يرزقه الولدَ ليفعل شيئا كان مفروضًا عليه أن يفعله !! وهذا لا يستقيم، والله أعلم.
      خامسا: إنْ تنازلنا وتنزَّلْنا وقلنا إن المقصود وراثة المال فقد يكون زكريا دعا ربه بهذا، قبل أن يخبره الله أن الأنبياء لا يُوَرِّثُونَ المال، كما دعا نوحٌ عليه السلام رَبَّه أن يُنَجِّيَ وَلدَه وقال: {ربي إنَّ ابني من أهل وإن وعدك الحق}.
      فلم يستجب الله دعاءه هذا وأخبره أن ابنه من الهالكين.
      وعلى هذا القول فليس هناك دليل في الآية أيضا على جواز وراثة الأنبياء. والله أعلم.
      —————–
      أما بخصوص قول القرطبي فسأنقله لك وأنت تقرر بنفسك هل هذا الشيعي صادق أم كاذب!!
      يقول القرطبي:
      [وقالت طائفة: إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليا يقوم بالدين بعده، حكى هذا القول الزجاج، وعليه فلم يسل من يرث ماله، لأن الأنبياء لا تورث. وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) وفي كتاب أبي داود: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم). وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله:” يرثني”. الثانية- هذا الحديث يدخل في التفسير المسند، لقوله تعالى:” وورث سليمان داود” «2» وعبارة عن قول زكريا:” فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب” وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه داود بعده، وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، وإلا ما روي عن الحسن أنه قال:” يرثني” مالا” ويرث من آل يعقوب” النبوة والحكمة، وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور، قاله أبو عمر. قال ابن عطية: والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء لا نورث) ألا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم، فتأمله. والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة ].
      تفسير القرطبي (11/ 78)

اترك ردّاً