قَاتَلَ معه رِبِّيُّونَ أم قُتِلَ معه رِبِّيُّونَ؟!

قَاتَلَ معه رِبِّيُّونَ أم قُتِلَ معه رِبِّيُّونَ! إعجاز أم تحريف ؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

فقد طرح أحدهم سؤالًا حول اختلاف القراءات ، وقد أجبته على قناة مكافح الشبهات في التعليقات، ورأيت أن أضع الجواب هنا ليستفيد منه من يحتاج إليه:
وكان السؤال حول قوله تعالى في سورة آل عمران – الآية 146: { وكأين من نبي قتل مع رِبِّيِّونَ كثير }. فهي في قراءة حفص تُنْطَق هكذا { قَتَلَ }، وأما في قراءة ورش فتنطق هكذا: { قُتِلَ }.

فقلت وبالله التوفيق:
وسبب الخلاف بين حفص وورش هو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأها هكذا هكذا، فقرأ حَفْص بالقراءة الأولى { قَتَلَ }، وقرأ وَرْش بالثانية { قُتِلَ }.، وكلُّ هذه القراءات وَحْيٌ من الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فالآية مكتوبة هكذا في المصحف الإمام: { وكأين من نبي قتل مع ربيون كثير }. لكن بدون تشكيل أو تنقيط لكي تحتمل الآية جميعَ القراءاتِ المُوْحَى بها من الله، وستجد في قراءة حفص في كلمة { قَتَلَ } أنه يوجد حرف ألف صغير بعد حرف القاف ، ويسمى ألف الإلحاق. وكذلك كل المصاحف التي كُتِبَتْ على رواية حفص عن عاصم وَضَعَتْ أَلِفًا صَغِيرًا مُضَافًا بعد حرف القاف وقبل حرف التاء وسيكون التشكيل هكذا: { قَـتَـلَ }. وتُقرأ الكلمة هكذا: { قَـاتَـلَ معه ربيون كثير}.
والمصاحف التي كتبت على رواية ورش ستجدها والتشكيل هكذا: { قُـتِـلَ } وتنطق كما هي مكتوبة.
فالرسم العثماني واحد في الحالتين ليحتمل القراءتين جميعًا، لأن القراءتين وحي من الله جل جلاله.

والآن نأتي إلى المعنى:
لا شك أن القتال والقتل يختلفانِ عن بعضهما من حيث الدلالة والمعنى. مع أن أحدهما وهو القتال قد يُفْضِيفإلى الآخر وهو القتل.
وهنا في هذه الكلمة أنزل الله عز وجل إعجازًا عظيمًا، وهو أنه قد أخبرنا سبحانه بكلا المعنيين في نفس الكلمة، عن طريق تَنَوُّع القراءات.
فهذه الآية تمدح الربيين الذين آمنوا مع الأنبياء وثبتوا معهم في ميادين الجهاد والقتال.
فقوله { قَاتَلَ }، يشمل كلَّ مَنْ قاتلَ مع هؤلاء الأنبياء سواءً اسْتُشْهِدُوا وَقُتِلُوا أم لا، فالكل مقصود وممدوح بهذا اللفظ.
وأما قوله { قُتِلَ } فهذه تختص وتتعلّق فقط بمن مات من الرِبِّيِّينَ شَهِيدًا في هذه المعارك.
فيكون الله عز وجل أثنى على المجاهدين المُقَاتِلِين مرة، وأثنى على الشهداء مرتين.
ولا شك أن الشهادة في سبيل الله كرامةٌ كبيرة لا تعدلها كرامةٌ أخرى.
فاستحق أصحابُها الثناءَ والمديحَ من رب العالمين جل جلاله ، لأنهم هم الذين جاهدوا بأنفسهم وأرواحهم في سبيل الله.
والنَّفْسُ هي أغلى ما يملكه الإنسان، فإذا قدمها في سبيل الله فإن الله يجعل صاحبها في أعلى الدرجات في الآخرة.
كما قال تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }. (النساء)( 69 )
وقراءة المسلمين للقرآن الكريم تتنوع بحسب القراءة التي سيقرأون بها طالما أنها صحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام. فإذا كانوا سيقرأون بقراءة حفص فستجد كل المسلمين الذين يقرأون بهذه القراءة { قَـاتَـلَ معه ربيون كثير}. دون اختلاف بينهم.
ومن يقرأ برواية روش في أي مكان ستجدهم لا يختلفون في لفظ وقراءة الآية هكذا { قُتِلَ معه ربيون كثير }.  بنفس هذه الطريقة.

وهذا قد حدث بالفعل، فسياق الآيات يتحدث عن غزوة أُحُدٍ التي قتل فيها سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا الإعجاز العظيم تحدث الله سبحانه وتعالى عن فئتين:

1. المقاتلين الذين ظلوا أحياء.

2. الشهداء الذين استشهدوا في ميدان الشرف والكرامة والعزة والبأس.

وكلاهما يستحق المديح والثناء من الله، وقد أثنى الله على الفئتين معًا في آية واحدة، وجعل الثناءَ على الفئة الثانية مُضَاعَفًا عن الأولى في كلمة واحدة بتنوع القراءات ؛ فهل هذا تحريف أم إعجاز ؟!
مثال آخر للتوضيح في تنوع القراءات:
الله عز وجلَّ يقول: { وما الله بغافل عما تـعملون }، وفي قراءة أخرى { وما الله بغافل عما يـعملون }.
فكان الخطاب للحاضرين بقوله { تـعملون } ، وكان الخطاب للغائبين بقوله { يـعملون }.
ففي كلمة واحد خاطب الله الحاضرين والغائبين بتنوع القراءات.
واختلاف المفسرين هو من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فلن تجد أحدهم يقول الله في السماء، ويقول الثاني الله في الأرض. والمعاني في كل القراءات تكامُلِيَّة وليست تصادميّة. 

فبعد هذا الإعجاز الخطير في القرآن الكريم أيجوز أن يقال إن هذا تحريف كما يقول الجهَّال ؟!

والحمد لله رب العالمين ،،،،

تعليق واحد

  1. لم يذكر القرآن الكريم كلمة “معجزة” أو “إعجاز” ولو لمرة واحدة. وبدلا عن هذه الكلمة وردت في القرآن الكريم كلمات مثل “آية”، وبهذا يكون القرآن كله آيات وبيّنات وبصائر. الذي بالنسبة للناس هو معجزة لا يستطيعون محاكاتها هي بالنسبة لله تعالى مجرد آية. الإكتشافات العلمية ما هي إلا آيات تهدف إلى أن يؤمن غير المسلمين بأن القرآن هو الحقيقة: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”. (فصلت 53)

    حتى النبي عيسى ابن مريم لم يذكرعنه القرآن أنه أتى بمعجزات أو بمعجزة:
    وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (آل عمران 50)

    بصائر:
    – قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (الأنعام 104)

    – وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 203(

    – قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (الإسراء 102)

     – وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (القصص 43(
    – هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (الجاثية 20)

    ألله عز وجل هو الذي خلقنا ومنحنا العقل الذي فيه ملكة التفكير ونفهم الأمور به، ومنحنا الجسم الذي فيه القوة والقدرة على فعل الأشياء
    وليس من العدل الإلهي (وحاشى لله سبحانه وتعالى أن لا يكون عادلا) أن يعطي مخلوقه أدوات قاصرة ويكلفه ما لا يمكن لهذه الأدوات القيام به
    الله جل جلاله لا يتحدى الخلق الذي خلقه بيديه، ولا يطرح عليه مسائل تعجزه وتثبت له عجزه، فالإيمان بالله ليس من باب تحدي وتعجيز عقل المخلوق

اترك ردّاً