الرد على الأباضي: موقف الأباضية من الصحابة ج2

قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث

الردود العلمية على طائفة الإباضية

 

الرد على مقطع: رسالة سريعة لأبي عمر الباحث موقف الأباضية من الصحابة! ج2

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومن والاه، وبعد:

 فهذا الجزء الثاني من الرد العلمي على مقطع فيديو لأحد الأباضية حاول فيه أن يرد على ما ذكرته في حلقة “موقف علماء الأباضية من الصحابة”، وكنت أرد فيه على نائب مفتي الأباضية ” كهلان الخروصي” هدانا الله وإياه.

وتحت عنوان: “الرد على مفتريات أبي عمر الباحث” يقول الأباضي:

[ ما هي قضية التحكيم لمن لا يعرفها؟ أليس بسبب قضية التحكيم مات الألوف؟!]

ومع أنه أشار إلى أنه سيوضِّح قضية التحكيم ؛ إلا أنه لم يذكر شيئًا إلا بعضَ التساؤلاتِ التي تحتوي على مغالطات تاريخية فادحة!! ولكنها ساقها كَالْـمُسَلَّمَـاتِ!! فسأعرضها وأرد عليها:

أَوَّلًا: سؤالك:[ أليس بسبب قضية التحكيم مات الألوف؟! ].

فأقول: هؤلاء الألوف لم يموتوا بسبب قضية التحكيم بعينها، بل بسبب أَنَّ هؤلاء الخوارجَ من أهل النهروان حينما رفضوا التحكيم بين فريقي علي ومعاوية، انحرفوا إلى حروراء، ولم يرجعوا معه إلى الكوفة، وعسكروا هناك، فبعث علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس إليهم، فلم يسمعوا منه، فذهب إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب بنفسه، فاستجابوا ووقع الرضا منهم نحوه، وعادوا معه إلى معسكر الكوفة، ثم تحدث الخوارج أنهم رضوا عن علي بن أبي طالب حينما شَهِدَ على نفسه بالْكُفْرِ، وأنه تاب إلى الله من كُفْرِهِ! وكان اليوم التالي يم جمعة فاعتلى علي رضي الله عنه المنبر فذكر هؤلاء المجرمين، وأوضح الحقيقة بأنَّ رضاهم عنه لم يكنْ كما زعموا بأنه تاب من كُفْرِهِ! فقام الخوارج من نواحي المسجد يتصايحون قائلين: “لا حُكْمَ إلا لله”، فقال لهم علي عليه السلام: “حُكْمَ الله أنتظر فيكم”، ثم طلب أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يجتمع بهم بشرط أَلَّا يدخلَ عليه إلا حملةُ القرآنِ الكريمِ فقط، ولما امتلأت الدارُ بهم دعا عليٌّ رضي الله عنه بمصحف عظيم، وقال له: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ، حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَسْأَلُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ فِي وَرَقٍ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رُوِينَا مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَصْحَابُكُمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا، بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا” فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ دَمًا وَحُرْمَةً مِنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ جَاءَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”. فَقَالَ سُهَيْلٌ لَا تَكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ: كَيْفَ نَكْتُبُ؟ ” فَقَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فَاكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ” فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ أُخَالِفْكَ. فَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قُرَيْشًا. يَقُولُ: اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ” قال: – عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ- : فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ، قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أُعَرِّفُهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ: قَوْمٌ خَصِمُونَ فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللهِ. فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا: وَاللهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللهِ، فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ. فَوَاضَعُوا عَبْدَ اللهِ الْكِتَابَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ الْكُوفَةَ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ، إِلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا، أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمِ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لعبد الله بن شداد: يَا ابْنَ شَدَّادٍ، فَقَدْ قَتَلَهُمْ فَقَالَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَسَفَكُوا الدَّمَ، وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ. فَقَالَتْ: آَللَّهُ؟ قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كَانَ. قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَتَحَدَّثُونَهُ؟ يَقُولُونَ: ذُو الثُّدَيِّ، وَذُو الثُّدَيِّ. قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ، وَقُمْتُ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلَى، فَدَعَا النَّاسَ فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ جَاءَ يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَرَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِثَبَتٍ يُعْرَفُ إِلَّا ذَلِكَ. قَالَتْ: فَمَا قَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَتْ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قَالَ: اللهُمَّ لَا. قَالَتْ: أَجَلْ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَرْحَمُ اللهُ عَلِيًّا إِنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَا يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ إِلَّا قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَيَذْهَبُ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ].(1)

فهل هؤلاء الألوف الذين ماتوا مظلومين أم ظالمين؟! أَلَمْ يَسْفِكوا الدَّمَ الحَرَامَ ؟! ألم يقتلوا عبد الله بن خباب ويبقروا بطن امرأته وهي حامل في شهرها الأخير؟!

ثانيًا: سؤالك:[ أليس بسبب قضية التحكيم أراد الإمام علي بن أبي طالب استئناف قتال الفئة الباغية التي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية، فعندما جاءت نتيجة التحكيم مخالفة لما أراده الإمام علي أراد استئناف القتال لهذه الفئة؟!]

فأقول: إن هذا باطِلٌ، وليس له أساسٌ من الصِّحَّة، فلقد رَجَعَ عليُّ بْنُ أبي طالبٍ من التَّحْكِيم وكان مسعاه إلى صُلْحٍ تُحْقِنُ به دِمَاءَ المسلمين التي أراد الخوارجُ إراقتها بأيِّ وسيلةٍ كانت! فلمَّـا امتنع علي بن أبي طالب عن استجابة طلبهم كَفَّرُوهُ واعتزلوه … إلخ. ولم أقف على رواية صحيحة تقول إن عَلِيًّا بعد التحكيم أَرْادَ استئناف قتال أهل الشام، والله أعلم!

بل اتفقوا على أن يقام التحكيم مرة أخرى بعد مُدَّةٍ بحسب ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني:

[ثُمَّ انْفَصَلَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ الْحَكَمَانِ وَمَنْ مَعَهُمَا بَعْدَ مُدَّةٍ عَيَّنُوهَا فِي مَكَانٍ وَسَطٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَيَرْجِعُ الْعَسْكَرَانِ إِلَى بِلَادِهِمْ إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ، فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الشَّامِ وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ، فَفَارَقَهُ الْخَوَارِجُ.. ].(2)

بل الظاهر أنَّ الخوارج في جيشه طلبوا منه ذلك، وكان هو الرافض، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، «وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ»، فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ].(3)

وقولُ عليٍّ رضي الله عنه لبعض جيشه: [فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ]، يدل على أنه لم يكن يريد قتال أهل الشام بعد معركة صفين ولا بعد التحكيم. بل كان يرى أَنَّ قِتَالَ الخوارجِ المارقين هو الصَّوَابُ، بعدما سفكوا الدم الحرام كما في هذه الرواية الصحيحة. فزعمك أَنَّهُ أَرَادَ استئنافَ القتالِ كَذِبٌ مَحْضٌ عَلَيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ!

ثم إن عليًّا رضي الله عنه لو كان أَرَادَ استئنافَ قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ بعد معركة النَّهْرَوانِ؛ فلماذا مكث ثلاثَ سنواتٍ أو أكثر حتى استشهاده رضي الله عنه دون أن يقاتلهم؟!

فمعركة النهروان كانت سنة 37 هجرية، واستشهادُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والرضوان على يد الخارجي الخبيث المجرد عبد الرحمن بن ملجم كان سنة 40 هجرية. فلماذا أوقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه القتال كُلَّ هذه المدَّةِ حتى قتله هذا الخارجي الخبيث؟!

ثالثًا: سؤالك:[ أليس بسبب النهروان قضى أهل النهروان، وفيهم القراء والأخيار وفيهم بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هل يستطيع أبو عمر الباحث أن ينكر أَنَّ في أَهْلِ النَّهْرَوانِ بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!].

نعم قضى أَهْلُ النهروان نَحْبَهُمْ في هذه المعركة، ولكن لم يكن فيهم أَخْيَارٌ، فيهم قُرَّاءٌ جُهَلَاءُ كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن يُسَيْر بْن عَمْرٍو قَالَ: [قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ:” يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ”].(4)

  قال الْعَلَّامَةُ النَّوَوِيُّ:

[مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْمًا لَيْسَ حَظُّهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا مُرُورُهُ عَلَى اللِّسَانِ فَلَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ لِيَصِلَ قُلُوبَهُمْ وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وَتَدَبُّرُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ ِ].(5)

فَأَيُّ خَيْرٍ في شَخْصٍ يقرأ القرآنَ ولا يفقهه، فيقوم بإسقاط آياتِ الكافرين على المؤمنين الموحدين، ويقوم بقتل الأبرياء والنساء ويبقر بطونهن؟!

 ثم كيف يكونون أَخْيَارًا والرسول صلى الله عليه وسلم قد وصفهم بأنهم شِرَارُ الخَلْقِ؟! فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري: [أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ نَاسًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ فِي فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، هُمْ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ أَوْ هُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ].(6)

وقوله عليه الصلاة والسلام: [يَخْرُجُونَ فِي فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ] أي حينما افترقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وأهلُ الشَّامِ إلى فريقينِ، والذي قتلهم بالفعل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فَعُلِمَ أَنَّهُ الْـمُحِقُّ في خلافه مع معاوية رضي الله عنه وأهل الشام. كما قال: [تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ].

ثم من الذي قال إن أهل النهروان كان فيهم صَحَابَةُ الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أعوذ بالله من هذا البهتان! هذا تزوير فَج للتاريخ وقلب وَقِحٌ للحقائق وتدليس قبيح على الناس!

فَمَنْ هم الصحابة الذين كانوا في أهل النهروان ؟! حرقوص بن زهير السعدي أم عبد الله بن وهب الراسبي؟! هل هذانِ الخارِجِيَّانِ من الصَّحَابَةُ؟! إذًا خُذْهَا مني عالية مدوية: أتحداكم جميعًا أن تأتوا بروايةٍ واحدةٍ صحيحةِ السَّنَدِ تثبت أنََّ هؤلاء الخوارج من الصحابة رضي الله عنهم.

ثم ماذا أنت فاعل في قول ابن عباس حينما ذهب إليهم لِيَدْعُوَهُم إلى التوبة والرجوع إلى الله، وقال: [أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، لِأُبَلِّغُكُمْ مَا يَقُولُونَ الْمُخْبَرُونَ بِمَا يَقُولُونَ فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْيِ مِنْكُمْ، وَفِيهِمْ أُنْزِلَ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ].(7)

تدبر هذه جيدًا: [أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ]!!

إِذًا فهذه شهادة عظيمة من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأن الخوارج من أهل النهروان ليس فيهم صحابيٌّ واحد، والتحدي مفتوح للأباضية أن يأتوا برواية واحدة صحيحة تثبت الصُّحْبَةَ لحرقوص بن زهير أو عبد الله بن وهب الرَّاسِبِيِّ أو لِغَيْرِهِمَا من أهل النهروان الخوارج.

ولذلك أقول بأعلى صوتي: نعم أنكر ذلك ومعي الدليل الصحيح من قول ابن عباس، وأما أنتم فليس لديكم رواية واحدة صحيحة السند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تثبت لهم الصحبة!!

ونقول أيضا: الصحبة تثبت برواية صحيحة عن هذا الصحابي المراد إثبات صحبته؛ فأعطونا رواية صحيحة بشروطها تثبت أن حُرْقُوص بن زهير السعدي أو عبد الله الراسبي التقيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رويا عنه أو شَهِدَ لهما صحابيٌّ آخر بالصُّحْبَة.

رابعًا: سؤالك:[أليس بسبب التحكيم انقسم جيش الإمام علي بن أبي طالب إلى قسمين؟! أليس بسبب قضية التحكيم ضَعُفَ جيش الإمام علي بن أبي طالب ولم تقم له قائمة بعد ذلك اليوم؟].

فينبغي أن نوضح أن جماعة المارقين الخارجين على عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه الذين قُتِلُوا

في النهروان لا يَتَخَطَّى عَدَدُهُم أربعةَ آلافِ خَارِجِيٍّ، وبه اعترفَ شَيْخُ الأباضيةِ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي بهذا في كتابه تحفة أعيانه.(8)

كما اعترف به سعيد الغيثي في إيضاح توحيده.(9)

فما هذا العدد في جيش سيدنا علي رضي الله عنه أَصْلًا؟! وهل خروج هؤلاء الشرذمة عن الجيش يُعَدُّ انقسامًا؟! ثم مَن الذي قال إِنَّ جيشَ عليِّ بن أبي طالب ضَعُفَ بعد قتل أهل النهروان؟!

العكس هو الصحيح، فلقد ظهرت الْعَلَامة الفارقة في نهاية معركة النهروان، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عن الْـمُخْدَجِ، فقال لهم علي رضي الله عنه: [الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ].(10)

وبناءً على ظهور هذه العلامة الفارقة تيقن مَنْ كان في جَيش علي رضي الله عنه أَنَّ أَمِيرَ المؤمنين عليًّا كان مُحِقًّا في قتاله مع معاوية، وكان محقًّا في قتله لأهل النهروان، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ].(11)

وهذا الحديث من أوضح الأحاديث الصحيحة في هذه القضية!

وهذا حديث صحيح يؤكد أيضًا قوة جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد معركة النهروان، فيقول الْحَسَنُ البصري: [اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا].(12)

/  قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ:

 [وَقَوْلُهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ: أَيْ لَا يُرَى لَهَا طَرَفٌ لِكَثْرَتِهَا، كَمَا لَا يَرَى مَنْ قَابَلَ الْجَبَلَ طَرَفَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ شِدَّةَ الْبَأْسِ].(13)

فأين زعمُك بِضَعْفِ جيشِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مَعْرَكَةِ النهروان يا تُرَى ؟!

خامسًا: سؤالك:[أليس بسبب قضية التحكيم تم خلع الإمام علي بن أبي طالب، وتبين له خدعة التحكيم وتبين له أنها ما هي إلا خدعة، ومسألة وقت لتقسيم جيشه؟! ].

1.  من الذي خَلَعَ عَلِيَّ بنَ أبي طالب إلا الخوارجُ المارقون المتآمرون على الْخِلْافة الراشدة القافِزُون عليها لينتزعوها من صاحبها رضي الله عنه؟! وهل تَآمُرُ ثُلَّةٍ هزيلة من الخوارج على الخلافة الراشدة ومبايعة بعضهم يُعَدُّ خَلْعًا للخليفة الراشد المهدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟!

2.  أما زعمك أن عليًّا تَبَيَّنَ له أَنَّ التحكيمَ خُدْعَةٌ لتقسيم جيشه؛ فعليك أن تثبتَ زَّعْمَك برواية صحيحة، وأما روايات الكذابين والْوَضَّاعِينِ فلا يصدقها عَاقِلٌ فَضْلًا عن طالب عِلْمٍ!!

3.  ثم إنَّ عليَّ بن أبي طالب لم يَتَخَلَّ عن إمارته للمؤمنين كما زعم الخوارج النَّهْرَوَانيُّون، وإنما في وقت كتابة الصلح رَفَضَ أَهْلُ الشام أن يعترفوا له بإمارة المؤمنين كِتَابَةً في نص الصلح حتى يُقِيمَ الْحَدَّ على قَتَلَةِ عثمان، لأنهم لو اعترفوا بإمارته فقد بايعوه وَلَزِمَتْهُمْ طَاعَتُهُ، ولذلك لم يبايعوه منذ بداية خلافته حتى يقيم القصاص!

قال الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ:

[وَكَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كِتَابَ الْحُكُومَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ: هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَامْتَنَعَ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: اكْتُبُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ، فَأَجَابَ عَلِيٌّ إِلَى ذَلِكَ، فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ أَيْضًا].(14)

ووافق عليُّ بنُ أبي طالبٍ على عدم كتابة “أمير المؤمنين” قبل اسمه في عقد الصُّلْحِ، ولذلك قال عليُّ بن أبي طالب لهم إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حينما تَنَازَلَ عن كتابة كلمة “رسول الله” في صُلْح الحديبية لم يَكُنْ هذا تَخَلِّيًا منه صلى الله عليه وسلم عن الرِّسَالَة، وكذلك فَعَلَ عَلِيُّ بن أبي طالب وَاحْتَجَّ عليهم بنفس الواقعة.

سادِسًا: سؤالك:[أليس بسبب قضية التحكيم قتل الإمام علي بن أبي طالب ، قتله عبد الرحمن بن ملجم؟! بإيعاز من الأشعث بن قيس؟! والروايات في ذلك شهيرة].

وهذا غير صحيح أيضًا، فَقَتْلُ أَمِيرِ المؤمنين عليِّ بن أبي طالب لم يكن بسبب التحكيم، وإنما كان بسبب قَضَائِهِ على الخوارج المارقين في معركة النهروان الخالدة، فقام الخارجي المارِقُ المجرِمُ عبدُ الرحمن بنُ ملجم المرادي لِيَنْتَصِرَ لهؤلاء الخوارج فقتله!

انظر إلى ما قاله شيخُكم الأباضي نور الدين السالمي لتعرف أن ابن ملجم لعنه الله كان يعتقد أَنَّ قَتْلَهُ لأمير المؤمنين من باب الثَأْر من علي بن أبي طالب لمن قتلهم يومَ النهروان، فيقول السالمي: [وَقَتَلَهُ عَبْدُ الرحمن بْنُ مُلْجِمٍ ببَعْض مَنْ قُتِلَ يَومَ النَّهْر].(15)

فهل كان قتل علي بسبب التحكيم أم بسبب قضائه على أهل النهروان؟! أليس كلام شيخكم السالمي يدل على أن مَقْتَلَ أميرِ المؤمنين عليه السلام كان ثَأْرًا لِأَهْل النهروان الخوارج؟!

ولكن: مَن الذي قال إن ابن ملجم لعنه الله فعل ذلك بإيعاز من الأشعث بن قيس؟!

أرجو أن تعطيني روايةً واحدةً صحيحةً تثبت قولَك، وإلا فقد افتريتَ كالعادة على الصحابي الجليل الأشعث بن قيس رضي الله عنه، وهو من أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سَابعًا: قولك:[ لأنه بعد ضَعْفِ جيش الإمام علي بن أبي طالب ذهبت الخلافة الراشدة ].

وهذا غير صحيح، فمدة الخلافة الراشدة ثلاثون عامًا، كما قال الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، [خِلَافَةُ النُّبوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يْؤْتِي اللهُ الْـمُلْكَ – أو ملكه – من يشاء” ].(16)

وقد كَمُلَتْ بالأشهر السِّتِّ التي حَكَمَ فيها المسلمين أميرُ المؤمنين الحسنُ بنُ عَلِيٍّ عليهما السلام والرحمة والرضوان.

قال الحافِظُ ابن كثير:

[وَإِنَّمَا كَمَلَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ كَمَالُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ].(17)

كما أن الحسن بن علي استقبل معاوية بكتائب أمثال الجبال كما بينَّا، فأين ضعف الجيش الذي تحدثت عنه؟!

ثامنًا: قولك: [وبعد أن ذهبت الخِلافة الراشدة، فماذا بقي؟!].

فأقول: عاش المسلمون بعد الخلافة الراشدة في فترة حكم أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في راحة وعدل وحلم وصفح، والجهاد قائم في بلاد العدو، وكلمة الله عالية.

  قال الحافِظُ ابن كثير:

[ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ التَّحْكِيمِ مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ إِلَى وَقْتِ اصْطِلَاحِهِ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْعَقَدَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَاجْتَمَعَتِ الرَّعَايَا عَلَى بَيْعَتِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَمْ يَزَلْ مُسْتَقِلًّا بِالْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ، وَالْجِهَادُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ قَائِمٌ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عَالِيَةٌ، وَالْغَنَائِمُ تَرِدُ إِلَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فِي رَاحَةٍ وَعَدْلٍ وَصَفْحٍ وَعَفْوٍ].(18)

ثم ذكر الأباضي أبو الأيهم قصيدة لشيخهم أبي مسلم البهلاني يقول فيها:

على أن علت فوق الرماح مصاحف ** ونادوا إلى حكم الكتاب نصير

وهذا سند رواية رفع المصاحف والمكيدة التي زعمتموها على عمرو بن العاص رضي الله عنه:

قال الإمام الطبري:

[قَالَ أَبُو مخنف: عن أبي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، عن عمارة بن ربيعة الجرمي، وفيها.. فلما رَأَى عَمْرو بن الْعَاصِ أن أمر أهل العراق قَدِ اشتد، وخاف فِي ذَلِكَ الهلاك، قَالَ لمعاوية: هل لك فِي أمر أعرضه عليك لا يزيدنا اجتماعا، وَلا يزيدهم إلا فُرْقَة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: نرفع المصاحف ثُمَّ نقول: مَا فِيهَا حكم بيننا وبينكم، فإنْ أَبَى بعضُهُم أَنْ يَقْبَلَهَا وَجَدْتَ فِيهِمْ من يقول: بلى، ينبغي أَنْ نَقْبَلَ، فتكون فُرْقَةً تقع بينهم، وإن قَالُوا: بلى، نقبل مَا فِيهَا، رَفَعْنَا هَذَا الْقِتَالَ عَنَّا وهذه الحرب إِلَى أجل أو إِلَى حين، فرفعوا المصاحف بالرماح وَقَالُوا: هَذَا كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام! ومن لثغور العراق بعد أهل العراق! فلما رَأَى الناس المصاحف قَدْ رُفِعَتْ، قَالُوا: نُجِيبُ إِلَى كِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وننيب إِلَيْهِ].(19)

وسأهدم لكم هذا الْـمَعِينَ الذي تشربون منه حتى لا تقوم لهذه الأكاذيب التاريخية قَائِمَةٌ بَعْدَ اليوم!

 وهذه علل الرواية:

1.    أبو مخنف: لوط بن يحيى الكوفي:

وقد اعترف الشيخُ الْأَبَاضِيُّ نَاصِرُ السابعيُّ أَنَّ أَبَا مِخْنَفٍ شِيعِيٌّ عَلَوِيٌّ، فيقول:

[أبو مخنف شِيْعِيُّ النَّزْعَة، عَلَوِيُّ الْوِجْهَةِ].(20)

بل وصفه الأباضيُّ الأستاذُ عليّ الحجري بأنه [ المتروك التالِف ].(21)

ثم وصفه أيضًا بالكَذِب، فقال:

[والقارئ لتاريخ الطبري يجد الكثيرَ من رواياتِه جاءَتْ من طُرُقِ رُوَاةٍ كَذَّابِينَ كأمثال سيف بن عمر التميمي، وأبي مخنف لوط بن يحيى، ومحمد بن عمر الواقدي وغيرهم].(22)

بل نقل الْأَبَاضِيُّ علي الحجريُّ إجماعَ العلماءِ على عَدَمِ الاحتجاج بروايات أبي مخنف !! فيقول:

[وقد جَمَعَ يحيى بنُ إبراهيم بنِ علي اليحيى أقوالَ علماءِ الإسلام في أبي مخنف ورواياتِه، وَبَيَّنَ إِجْمَاعَ نُقَّادِ الحديثِ عَلَى تَضْعِيفِ رِوَايَاتِ أبي مخنف].(23)

فما بالُ الأباضية – هدانا الله وإيَّاهُم إلى الحق – يخالفون كل هذا ويستدلُّون بروايةِ أبي مخنف ؟!

هل علمتم أنكم لستم على شَيءٍ؟! وهل أَكَابِرُ عُلَمَـائِكُم لم يعرفوا أَنَّ هَذِهِ الروايةَ من طريق أبي مِخْنِفٍ؟! أغلب رواياتكم التي بنيتم عليها عقائدكم باهتة واهية، وأما ما استدللتم به من الصحيح فَمُحَرَّفُ المعنى! والله المستعان.

2. أبو جناب الكلبي: يحيى بن أبي حية: شيعي متفق على ضعفه.

ثم إن رواية أبي مخنف تخالف الرواية الصحيحة، فعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ فِي مَسْجِدِ أَهْلِهِ أَسْأَلُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ، فِيمَا اسْتَجَابُوا لَهُ، وَفِيمَا فَارَقُوهُ، وَفِيمَا اسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ، قَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ فَلَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِأَهْلِ الشَّامِ اعْتَصَمُوا بِتَلٍّ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ بِمُصْحَفٍ، وَادْعُهُ إِلَى كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَأْبَى عَلَيْكَ، فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ، لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران: 23] ، فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، قَالَ: فَجَاءَتْهُ الْخَوَارِجُ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُمْ يَوْمَئِذٍ الْقُرَّاءَ.. ].(24)

فعمرو بن العاص رضي الله عنه أشار على معاوية بإرسال مصحف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ودعوته إلى التَّحَاكُمِ إلى كِتَاب الله، وهذا مُخَالِفٌ لِرواية رَفْعِ المصاحف على أسنة الرماح!

ثم يقول:

مكيدة عمرو حيث رثت حباله ** وكادت بحور القاسطين تغور

أبا حسن ذرها حكومة فاسق ** جراحات بدر في حشاه تثور

إِذًا فأنتَ بنفسك تنقل قول علمائك أَنَّ الحكومة حكومة فاسق، والمعروف أن التحكيم كان بين معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص من جهة، وبين علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري من جهة، فمن يقصد شيخك البهلاني بالفاسق؟! هل يقصد معاوية أم عمرو بن العاص رضي الله عنهما؟! أم يقصد الاثنين مَعًا؟!

فإن كان الْبَهْلَانِيُّ يقصدهما معًا ؛ فلا أرى فاسقًا هنا غيرك أنت وبهلانيُّك هذا، ثم كيف تنقل بنفسك كلام علمائكم الْـمُفَسِّقِينَ للصحابة ثم تدعي أنكم تَوَقِّرُون الصحابة؟!

ولا أنسى أن أشكرك لأنك عَرَضْتَ بنفسك ما يَدُلُّ على كَذِبِ شَيخِكِم “كهلان الخروصي” على المشاهدين ويكشف ألاعيبه على السُّذَّجِ المساكين، ويؤكد كلامي ونقلي من كتب علمائكم!!

ثم كيف يكون هذا الصَّحَابِيُّ فَاسِقًا، ومسند ربيعكم يروي عنه في كتابه؟!

ألم يرو رَبيعُكُم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في مسنده؟!

جاء في مسند الربيع، قال:

[أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلاَ مُعْطٍ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجِدِّ مِنْهُ الْجِدُّ. مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ، يَعْنِي الْمِنْبَرَ].(25)

فهل شيخ الأباضية الربيع بن حبيب الفراهيدي يروي عن الْفُسَّاق في مسنده؟!

ثم ألم يقل شيخكم عبد الله بن حميد السالمي إِنَّ كُلَّ رواة مسند الربيع عُدُولٌ ثِقَاتٌ؟!

يقول شَيْخُ الأباضيةِ عبدُ اللهِ بن حميد السالمي:

[اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْـمُسْنَدَ الشَّرِيفَ أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ رِوَايَةً وَأَعْلَاهَا سَنَدًا وَجَمِيعَ رِجَالِهِ مَشْهُورُونَ بِالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَالضَّبْطِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالصِّيَانَةِ، كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي الدِّينِ وَقَادَةٌ لِلْمُهْتَدِينَ].(26)

فكيف يستقيم وصف البهلاني لمعاوية بِالْفِسْقِ مع قول شيخكم السالميِّ عن مسند الربيع بأن: [جميع رجاله مشهورون بالعلم والورع والضبط والأمانة والعدالة والصيانة كلهم أئمة في الدين وقادة للمهتدين] ؟؟!!!

بل المضحك أن البهلاني قال لعلي بن أبي طالب:

أَفِي الدِّينِ شَكٌّ أَمْ هَوَادَةُ عَاجِزٍ  **  تَجَوَّزْتَها أَمْ ذُو الفِقَارِ كَسِيرُ

فيقول لعلي بن أبي طالب: هل تشك في دينك يا عليّ؟! أم أنك شَخِصٌ عاجز، أَمْ أَنَّ سَيْفَكَ ذَا الفِقَارِ مَكْسُور!! فما أعجبَ وأغربَ هذا العتابِ المبطن بالطعن والتشكيك في شخصه!!

ولست بصدد الرد على الْبَهْلَانيِّ وقصيدته، وإنما أردت فقط أَنْ أُشِيرَ إلى أَنَّ أبا مسلم الْبَهْلَانِيَّ لا

يعرف شيئًا عن هذا الموضوع إلا الوساوس، شأنه شأن غَيْرِهِ من علماء الأباضية ومشايخهم!

ثم قال الأباضي:

[ترك قتال الفئة الباغية، وكان التحكيم خطأ تاريخي ، خطأ حقيقة، بسببه سقطت الخلافة الراشدة، إذا قضية التحكيم ليست قضية عادية كما يعني يحاول أَنْ يُرَوِّج أبو عمر الباحث، وإنَّمَـا هي قضية أَدَّتْ إلى ما أدت إليه من الفتنة العمياء، التي قال فيها أبو مسلم البهلاني:

فيا فتنة في الدين ثار دخانها  **  وذاك إلى يوم النشور يثور]. أهـ

هذا رأي أبي مسلم البهلاني والمتكلم في المقطع الذي يتبنى قولَه، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم له رأيٌ وقولٌ آخر في هذا الموضوع، فقد وصف الرسول عليه الصلاة والسلام عليًا بالهداية والرشاد، ودعا له بهداية القلب وتسديد اللسان:

فعلي بن أبي طالب أعلمُ مِنِّي وَمِنْكَ ومن أهل السنة ومن كل الأباضية بكتاب الله سبحانه وتعالى وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَهُوَ الخليفةُ الراشِدُ الْـمَهْدِيُّ الْـمُبَشَّرُ بِالجَنَّةِ، وقال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: [اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَسَدِّدْ لِسَانَهُ]. وسأذكر الروايةَ كامِلَةً لتقوم الحُجَّةُ:

روى ابن أبي شيبة في مصنفه قال:

[حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَا عِلْمَ لِي  بِالْقَضَاءِ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ: ” اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَسَدِّدْ لِسَانَهُ “، فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى جَلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا].(27)

فما بالك بِرَجُلٍ تَقِيٍّ صَالِحٍ دَعَا له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بهداية القلب وتسديد اللسان؟!

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى جَلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا]. دالٌّ على أَنَّ أَثَرَ هذه الدعوة المباركة ظَلَّ بَاقِيًا معه طِيلَةَ حَيَاتِهِ، وليس أَثَرًا مؤقتًا!

فعلمه وفقهه نابِعَانِ من كِتاب الله وَسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فحينما يتخذ علي رضي الله عنه قراره بإيقاف الحرب فهو قرار صحيح صائب، وليس لمثلك ولا لمثلي أن يحكموا بخطئه،  فليس للصغير أن يقوم بتخطئة الكبير إِلَّا إذا كان خطأُ الْكَبِيرِ بَيِّنًا وَاضِحًا بالأدلة والبراهين!

وليس هذا فقط، بل شارك في هذا التحكيم كِبَارُ صَحَابَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمتنعْ عنه إِلَّا الخوارجُ فقط، فهل الخوارِجُ أعلمُ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وهل يوجد في هؤلاء الخوارج رَجُلٌ مُبَشَّرٌ بِالجَنَّة أَوْ رَجُلٌ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَسَدِّدْ لِسَانَهُ]. كما حَدَثَ مع عليٍّ رضي الله عنه؟! ثُمَّ مَنْ أَنْتُمْ  لِتَحْكُمُوا على أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شَهِدُوا التحكيم جميعًا بالخطأ وَتُصَوِّبُوا رأي الخوارج المارقين المخالفين لِكِتاب الله وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة؟!

وأما زعم الأباضي بأن الخلافة الراشدة سقطت بسبب قضية التحكيم فَزَعْمٌ كَاذِبٌ كما وَضَّحْنَا سَابِقًا، فلقد امتدت الخلافةُ الراشدة لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَخْرَى كما بينتُ من قبل، ولَسْتُ في حاجة  لإعادة الرد عليه مرة أخرى! وامتدت الخلافة بمفهومها العام بعد ذلك أيضًا بِحُكْم معاوية! والنبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دُعِيَ إِلَى أَمْرٍ تُعْصَمُ فِيهِ دِمَاءُ الناسِ سَارَعَ وَسَعَى إليه!

فما هو وجه الإنكار على علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا سارع إلى حَقْنِ دِمَاءِ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلم ومنع سفكها وإِهْرَاقَهَا؟! هل كان عَلَى عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه أَنْ يُعْمِلَ السَّيفَ في أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام كي يَرْضَى عنه الخوارج النهروانيون المارقون، فيرضى عنه أَحْفَادُهُمِ من فِرْقَة الأباضية تَبَعًا لأجدادهم؟!

ثم من الذي قال إن قَضِيَّةَ التحكيم أَدَّتْ إِلَى فتنة عَمْيَاء؟! وهل مقتل الخوارج في معركة النهروان المجيدة فتنة عمياء؟! ألم يَسْتَرِحْ منهم البلاد والعباد بعد مقتلهم بعدما عاثوا في الأرض فَسَادًا؟

ألم يتفق أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلهم وفَرِحَ الـمُسْلِمُون مِن الصَّحَابَة والتابعين لقتلهم والقضاء عليهم؟! ألم يكبر علي بن أبي طالب ثلاث تكبيرات بعد قتلهم حينما وجد المخدج كما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فلماذا يتم تزوير التاريخ من جديد؟!

******

وبهذا ينتهي الجزء الثاني  من الرَّدِّ على الأباضي أبي الأيهم هدانا الله وإيَّاه إلى الحق، ويليه الجزء الثالث بحول الله وقوته.

والحمد لله رب العالمين  ،،،،

—-

فإلى دَيَّان يوم الدين نمضي   **   وعند الله تجتمع الخصوم

 

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

مساء الأحد يوم 13 من شوال لعام 1439 هجريا

الموافق 27 يونيه لعام 1018 ميلاديا

(1) مسند أحمد ج2 ص85، ص86، ط مؤسسة الرسالة – بيروت. وسنده حسن.

(2) فتح الباري لابن حجر ج12 ص284.

(3) صحيح مسلم – حديث رقم 156 – (1066).

(4) صحيح البخاري – حديث رقم: 6934.

(5) شرح النووي على صحيح مسلم ج6 ص105.

(6) صحيح ابن حبان ج15 ص138، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.

(7) المستدرك على الصحيحين للحاكم ج2 ص179، ط دار الحرمين – القاهرة.

(8) تحفة الأعيان ج1 ص65، ط مطبعة الشباب.

(9) إيضاح التوحيد ج1 ص73، بترقيم الشاملة الأباضية.

(10) صحيح مسلم – حديث رقم: 156 – (1066).

(11) صحيح مسلم – حديث رقم: 150 – (1064).

(12) صحيح البخاري – حديث رقم: 2704.

(13) فتح الباري لابن حجر ج13 ص62.

(14) فتح الباري لابن حجر ج12 ص284.

(15) شرح مسند الربيع لنور الدين السالمي ج1ص160.

(16) سنن أبي داود ج7 ص43، حديث رقم 4647. وسنده حسن.

(17) البداية والنهاية ج11 ص134.

(18) البداية والنهاية ج11 ص400.

(19) تاريخ الطبري ج5 ص48، ط دار المعارف – القاهرة.

(20) الخوارج والحقيقة الغائبة للسابعي ص47، ط مكتبة الجيل الواعد – مَسْقَط.

(21) الإباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقالات للحجري ص61، ط مكتبة الجيل الواعد – مَسْقَط.

(22) المصدر السابق ص73.

(23) المصدر السابق ص72.

(24) مسند أحمد ج25 ص348،ط مؤسسة الرسالة – بيروت.

(25) مسند الربيع بن حبيب الأباضي ص31، حديث رقم 26.

(26) مسند الربيع بن حبيب ص3، ط مكتبة الاستقامة – روي – سلطنة عُمان، ضبطه وخرَّج أحاديثه: محمد إدريس.

(27) مصنف ابن أبي شيبة ج6 ص365، ط مكتبة الرشد – الرياض.

.

 

اترك ردّاً