هل طبخ المسلمون رجلا في فتح الأندلس؟!

رواية فتح الأندلس أن رجلا من الكرامين ذبحوه وعضوه وطبخوه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد:
فقد ذَكَرَ أحدُ النصارى أن موسى بن نُصَيْر اللخمي ( متوفَّى97 هـ) وجيشَه أثناء فتح الأندلس ذبحوا رجلًا من الْكَرَّامين، وطبخوه!
واستدل النصراني بما رواه ابنُ عَبْدِ الحَكَم في كتابه ” فتوح مصر والمغرب ” قال:
[ وقد كان المسلمون حين نزلوا الجزيرة، وجدوا بها كَرَّامين، ولم يكن بها غيرهم، فأخذوهم، ثم عَمدوا إلى رجل من الكرّامين فذبحوه، ثم عَضُّوه وطبخوه، ومن بقى من أصحابه ينظرون، وقد كانوا طبخوا لحمًا فى قدور أخر، فلما أدركت طرحوا ما كان طبخوه من لحم ذلك الرجل، ولا يعلم بطرحهم له، وأكلوا اللحم الذي كانوا طبخوه، ومَنْ بَقِيَ من الكرّامين ينظرون إليهم، فلم يشكّوا أنهم أكلوا لحم صاحبهم، ثم أرسلوا من بَقِيَ منهم، فأخبروا أهلَ الأندلس أنهم يأكلون لحم الناس، وأخبروهم بما صُنِعَ بالكرّام ].(1)

والجواب بإذن الله سهل ميسور!

أولا: ابن عبد الحكم من المؤرخين الـمُسْنِدِين الذي يَذكرون الرواياتِ بأسانيدها، وهذه الطريقة من الطرق التي تُسَهِّلُ كثيرًا على الباحث أن يعرف صِحَّةَ الروايات من عدمها، ويستطيع الباحث أن ينظر في سند الرواية ليعرف هل هي صحيحة أم ضعيفة.
وإليكم السند الذي روى به ابن عبد الحكم هذه الواقعة وما قبلها، قال:
[ حدثنا عبد الملك بن مَسْلَمَة، حدثنا الليث بن سعد، أن موسى بن نصير حين غزا المغرب .. ].(2)
ولكي نعرف مَنْ هو عبد الملك بن مسلمة الذي يروي عنه “ابن عبد الحكم” علينا أن نفتح كتاب ” الْكُنَى والأسماء ” للدولابي، يقول الدولابي:
[ وأبو مروان عبد الملك بن مسلمة بن يزيد الأموي مصري ، يروي عنه : عبد الرحمن بن عبد الحكم ].(3)
وكل مَن له دِرَايةٌ بِعِلْم الرجال يَعْلَمُ يقينًا أن رواياتِ عبد الملك بن مسلمة ليست ذاتَ قيمةٍ عند العلماء.
فقد ذكره الإمام ابن الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكين.(4)
وقال الإمام أبو حاتم الرازي: [ كتبت عنه، وهو مضطرب الحديث، ليس بقوي].(5)
وقال الإمام أبو زُرْعَة الرازي: [ ليس بالقوى، هو منكر الحديث ].(6)
وذكره الإمام أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب “المجروحين من المحدثين” وقال:
[ عبد الملك بن مسلمة: شيخ يروى عن أهل المدينة المناكير الكثيرة التى لا تخفى على مَنْ عَنِيَ بعلم السنن.(7)
وقال ابن يونس: [ منكر الحديث ].(8) 
وذكره الذهبي في كتابه ” المغني في الضعفاء “.(9)
فما الفائدة من رواية جاءتنا عن طريق هذا الرجل الضعيف المتروك؟!
ولماذا يُصِرُّ النصارى على تجاهل دراسة رواة الأسانيد التي تُروَى من خلالها الروايات ؟!

ثانيا: الليث بن سعد مولود سنة 94 هجرية، في حين أن موسى بن نصير متوفى سنة 97 هجرية. وفتح الأندلس كان سنة 92 هجرية.
والليث لم يسمع من موسى بن نصير ولم يدرك هذه الواقعة، فالرواية منقطعة.

ثالثا: هذه الرواية تقول إن المسلمين مَثَّلوا بهذا الرجل الكَرَّام، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الـمُثْلَة!
فقد روى الترمذي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَقَالَ: اغْزُوا بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ].(10)
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل بالجثث في حديث صحيح صريح.
فلو كان المسلمون في فتح الأندلس مَثَّلوا بجثة هذا الْكَرَّام فهذا لا يعيب الإسلام العظيم، لِأَنَّ دين الإسلامَ هو أوامرُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أي القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة الثابتة، وليس أفعال موسى بن نصير وجيشه. فإنْ خالف موسى بن نصير أو غيرُهُ أوامرَ اللهِ ورسولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم؛ فمخالفته على نفسه، وسيحاسبه الله عليها يوم القيامة، فما ذنب الإسلام العظيم في ذلك مع وجود النهي الثابت من الرسول صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالجثث ونهيه أيضًا عن التحريق بالنار؟!
ثم هل هذا يستوي هذا مع أوامر القتل الصريحة في حق الأبرياء والعزّل من العجائز والنساء والأطفال الرُّضَّع التي يزخر بها كتاب النصارى؟!

رابعًا: لعل سؤالًا يرد على ذهن القارئ الكريم، وهو لماذا توجد روايات ضعيفة ومكذوبة في كتب التاريخ! أو بمعنى آخر طالما ان الرواية ضعيفة فلماذا يذكرها ابن عبد الحكم في كتابه؟!

والجواب أيضًا على هذا السؤال سهل ميسور: فالأئمة والعلماء الذين ألفوا هذه الكتب لم يكونوا يريدون تدوين التاريخ الصحيح فقط في كتبهم، وإنما أرادوا جمع وتدوين كل ما يقال من أخبار وروايات حتى لا يضيع شيء من تراث الأمة الإسلامية الهائل، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التحقيق والحكم على هذه الروايات من حيث الصحة والضعف.

فيقول الإمام الخطيب البغدادي[ أَهْلُ الْعِلْمِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ إِلَّا مِنَ الْعَاقِلِ الصَّدُوقِ الْمَأْمُونِ عَلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ].(11)

خامساهؤلاء النصارى – الذين يتجولون على منتديات الإنترنت وصفحات الفيس ناشرين هذه الخرافات ولا يستطيع أحدهم أن يقرأ عبارة مكتوبة باللغة العربية قراءة صحيحة – لا يستوون مع المستشرقين الذين قلَّبوا الكتب الإسلامية وبحثوا في طياتها عن أي خللٍ أو مُتَمَسَّكٍ ليهاجموا به الإسلام العظيم!
ومع ذلك سنجد أن كثيرًا من المستشرقين الـمُنْصِفِين بعد القراءة والتنقيب شهدوا لدين الإسلام العظيم بالعدل والسماحة في التعامل مع غير المسلمين.

فيقول الكونت هنري دي كاستري:
[ المسلمون لم يَقتلوا أمَّةً أَبَتِ الإسلام ، ولم يُكرهوا أَحَدًا على الإسلام بالسيف ولا باللسان ، بل دخل القلوب عن شوق واختيار، وكان نتيجة ما أودع القرآن من مواهب التأثير والأخذ بالألباب ].(12) 

ويقول الكونت هنري دي كاستري:
[ وأنا قد قرأتُ التاريخ، وكان رأيي بعد ذلك أنَّ معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على تَرَفُّعٍ عن الْغِلْظَة في الـمُعَاشَرَة، وعلى حُسْنِ مُسَايَرَةِ ولَطْفِ مجاملةٍ. وهو إحساس لم يُشَاهَد في غير المسلمين إذ ذاك ].(13)

وأما المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه فتقول:
[لا إكراه في الدين }، هذا ما أمر به القرآن الكريم، وبناءً على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم ببمراسة شعائر دينهم، وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارَهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى.
أوليس هذا منتهى التسامح؟! أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟!
إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: (إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف)].(14)
فهل يستوي كلام علماء المستشرقين المنصفين مع جهلاء الإنترنت الكاذبين الحاقدين؟!

والحمد لله رب العالمين ،،،،

مراجع البحث:

  1. فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ص233، ط مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة.
  2. المرجع السابق ص231.
  3. الكُنَى والأسماء لأبي بشر الدولابي ج3 ص998.
  4. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج2 ص152، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
  5. الجرح والتعديل ج5 ص371، ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  6. المرجع السابق.
  7. المجروحين من المحدثين لابن حبان ج2 ص134، دار الوعي – حلب.
  8. ميزان الاعتدال للذهبي ج4 ص412، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
  9. المغني في الضعفاء للذهبي ج2 ص408.
  10. سنن الترمذي ج3 ص75.
  11. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص38، ط المكتبة العلمية – المدينة المنورة.
  12. الإسلام خواطر وسوانح ص35.
  13. المرجع السابق ص79.
  14. شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ص364.

2 تعليقات

  1. وايضا هاؤلاء المسلمين في ذالك الوقت كلنو من اخيار اللناس ىشجلعتهم في فتح الاندلس حديثا وما كانو ليفعلو هذا الفعل الذي نها عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهم من اكثر الناس اتباعا الى النبي الكريم

اترك ردّاً